للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الخميس، 12 يونيو 2014

هل يُنهي هجوم داعش عهد المالكي؟



(ينشر هذا المقال في "سويس إنفو")
أسئلة كثيفة أطلقتها التطورات الضخمة المتلاحقة في العراق:
- كيف ولماذا انهارت وحدات القوات المسلحة العراقية (الجيش وقوى وأجهزة الأمن) على هذا النحو السريع والمدهش في الموصل؟
- كيف تسنى لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أن يتحوّل خلال فترة قصيرة من تنظيم يعتمد أساساً حرب الغوار، إلى تشكيل عسكري أشبه بالجيوش التي تعمل أساساً على احتلال الأراضي والسيطرة عليها؟ وما الأهداف التالية للتنظيم، وهل بغداد من ضمنها؟
- مامضاعفات هذه الأحداث المتلاحقة على مواقع كل من رئيس الوزراء نوري المالكي والجيش العراقي والموازين السياسية العامة في البلاد بين السنّة والشيعة وفي داخل البيت الشيعي السياسي نفسه؟
- وأخيراً، ما تأثير هذه التطورات على القوى الإقليمية المعنية بالأزمة العراقية، خاصة إيران التي تتمتع (أو كانت تتمتع قبل الأحداث الأخيرة) بالنفوذ الأقوى والأول في بلاد الرافدين؟
لنبدأ مع مسألة الجيش العراقي.

لماذا الانهيار؟
يُجمع معظم المحللين الغربيين والشرقيين على حد سواء، على أن انهيار وحدات الجيش العراقي في مدينة الموصل، حيث تخلى آلاف الجنود والضباط عن أسلحتهم وعتادهم وحتى زيّهم العسكري لمجرد انتشار الشائعات بأن مقاتلي داعش يقتربون من المدينة، كان مدهشاً لكنه لم يكن مفاجئا.
لماذا؟
لأن معظم وحدات هذا الجيش الذي يناهز تعداده (مع قوى الأمن الأخرى) المليون عسكري والذي أنفق الأميركيون زهاء 15 مليار دولار على بنائه وتدريبه، أقرب إلى الميليشيا منه إلى الجيش النظامي. فعناصره إما جاءت إليه من ميليشيات شيعية تشكّلت مع بداية الغزو الاميركي العام ،2003 أو من شبان عاطلين عن العمل مهتمين أصلاً بالحصول على راتب ثابت ويفتقدون إلى أي انتماء وطني عراقي عام. والتالي، ماتهتم به هذه العناصر ليس كسب المعارك بل الحصول على المغانم والمكاسب.
يقول أحمد العطار، من مؤسسة دلما للأبحاث في أبوظبي:" الجيش العراقي يمثِّل في الواقع ميليشيا سيئة القيادة، ويهتم أكثر بحماية مصالحه الخاصة كمنظمة وليس بالقتال من أجل فكرة مجردة هي العراق".
ويضيف فنار حداد، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية في سنغافورة:" الأميركيون ركَّزوا (في عملية بناء الجيش العراقي) على الكمية لا النوعية، وعلى التدريبات العاجلة وغير المناسبة إلى حد كبير، ما ترك المجندين من دون انضباط ونظام، وجعلهم عُرضة إلى الذعر بسرعة، إضافة إلى التهرُّب الدائم من الخدمة العسكرية".
وقد فاقم المالكي كل هذه المشاكل بلجوئه إلى تغيير قادة الجيش باستمرار، ربما خوفاً من قيامهم بانقلاب عسكري، وأيضاً لأنه أمضى الشهور الماضية وهو يضخم من خطر داعش بهدف تعبئة أصوات انتخابية شيعية، ما جعل الجنود في حالة ترقب وقلق سرعان ما تحوّلا إلى ذعر وهرب مع اقتراب مقاتلي داعش من الموصل والمدن الأخرى.
والآن، وبعد معركة الموصل، التي وصفها المحللون العراقيون بأنه "فضيحة"، سيكون السباق واضحاً بين المالكي، بوصفه قائداً أعلى للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع والداخلية، وبين قادة الجيش على إنحاء اللائمة على بعضهم البعض: الاول من خلال اتهام الضباط بالاهمال والوهن والعمل (كالعادة) على عزل بعضهم ومحاكمتهم، والضباط ربما عبر تحرك ما ضد المالكي نفسه. هذا بالطبع إضافة إلى تحرّك القادة الشيعة المناوئين للمالكي ضده، وإن لاحقاً بعد جلاء الصورة العسكرية.في كل من الموصل وبغداد.
بيد أن الخطر الأساسي بالطبع هو أن تؤدي الصراعات الداخلية إلى تكريس تحوّل العراق إلى "دولة فاشلة" أخرى في الشرق الأوسط بعد الدول الفاشلة في سورية وليبيا واليمن.
نشوء داعش
هذا عن الجيش. أما بالنسبة إلى السؤال عن داعش، فالأمر قد يتطلب بعض التفاصيل التاريخية أولا.
تأسس هذا التنظيم في أوائل الحرب العراقية باسم "جماعة التوحيد والجهاد"، وأعلن ولاءه للقاعدة وأسامة بن لادن العام 2004. وقد تكوّن من العديد من الفصائل المسلحة الصغيرة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، الذي عمد لاحقاً إلى تغيير اسم مجموعته ليصبح "تنظيم قيادة الجهاد في بلاد الرافدين" أو، كما عُرِف في الإعلام، "القاعدة في العراق". وفي كانون الثاني/يناير العام 2006، اندمج هذا التنظيم مع مجموعات عدة أصغر وشكل معها مجلس شورى المجاهدين، ثم أعلن هذا التنظيم في تشرين الأول/أوكتوبر 2006 عن تأسيس "الدولة الإسلامية في العراق" التي تسعى إلى بسط سيطرتها على بغداد والأنبار وديالا وصلاح الدين ونينوى وأجزاء من بابل. وبعد توسعه في سورية العالم 2013، تغيّر الاسم مرة أخرى ليصبح الاسم الحالي: الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي أدعت سيطرتها على 16 "ولاية" في العراق وسورية.
أما أهداف داعش الاستراتيجية، علاوة على إقامة دولة إسلامية في العراق وسورية ولبنان (أساساً في المناطق السنيّة من هذه الدول التي يطلق عليها اسم "بادية الشام" الممتدة من صحراء النفوذ في شمال شبه الجزيرة العربية إلى الفرات )، فهو إعادة  الخلافة الإسلامية، وانهاء تقسيمات سايكس بيكو الفرنسية- البريطانية التي قسمت المشرق العربي في أوائل القرن العشرين إلى الدول الراهنة، وفرض صيغة متشددة للغاية من الشريعة تقترب من صيغة طالبان الأفغانية.
خطط داعش
على الصعيد العملاني، توضح "مؤسسة دراسات الحرب" الغربية الخطط العسكرية الراهنة لداعش على النحو الآتي:
- الهجوم على الموصل هو جزء من حملة شاملة في كل منطقة الشمال العراقية بدأت معالمها تتضح في العام 2013 حين هاجمت داعش منطقتي أبو غريب وزيدان غرب بغداد.
- العمليات حول مدينة سامراء ستكون مؤشراً مهماً للغاية حول الأهداف النهائية لداعش. فإذا ما أرادت مواصلة هجومها الخاطف للوصول إلى بغداد، فسيكون عليها تجاوز سامراء للحفاظ على زخم الهجوم.  لكن سامراء مهمة بحد ذاتها، لأن داعش نجحت العام 2006 في إشعال أتون الحرب الأهلية السنّية- الشيعية انطلاقا منها حين دمّرت ضريح الإمام العسكري، ولأنه يعتقد أن هناك قوات إيرانية ترابط قرب الضريح.
- يبدو واضحاً أن داعش، التي يُقال أنها تتضمن أكثر من 15 ألف مقاتل من العراق والعديد من دول العالم ويبلغ دخلها الشهري 50 مليون دولار من الخوات وبيع نفط دير الزور والتبرعات (أساساً من أفراد خليجيين)، لديها قيادة ميدانية منظّمة وقادرة على التخطيط الدقيق، وأسلحة يتفوق بعضها تقنياً على أسلحة الجيش العراقي (مثل الصواريخ الأوكرانية المضادة للدبابات، والتي لاتباع في السوق السوداء).
- لم يسبق لداعش أن شنّت قبل الآن مثل هذا الهجوم الكاسح، والناجح، في العراق. ولذلك يُحتمل أن يسقط التنظيم ضحية التمدد الاستراتيجي الزائد إذا ماواصل هجماته، الأمر الذي سيجعله عرضة إلى هجمات مضادة سريعة، أو  حتى إلى تمردات في المناطق التي سيطر عليها. هذا ناهيك عن أنه من المشكوك به أن تتمكن داعش من مواصلة السيطرة على الموصل، التي هي ثاني أكبر مدينة في العراق بتعداد مليوني نسمة (نزح منهم حتى الآن نحو نصف مليون)، أو على بعض أحياء بغداد.
معضلة إيران
نأتي الآن إلى المضاعفات الإقليمية.
ضربة الموصل دقّت أجراس الإنذار في كل الشرق الأوسط والعالم: من أنقرة وظهران ودمشق إلى واشنطن وبروكسل. لكن صوت الأجراس كان يصم الآذان في إيران التي سارعت إلى حشد قواتها على الحدود العراقية، وبدت متأهبة للتدخل لانقاذ النظام المدعوم شيعياً في بغداد.
بيد أن أي تدخل إيراني كثيف في العراق سيكون كارثة محققة لإيران، التي تعاني الآن من استنزاف مالي واقتصادي مريع في سورية بسبب تمويلها الكامل لحرب النظام السوري بمبالغ بات مؤكداً أنها تتراوح بين 15 إلى 20 مليار دولار سنويا. والآن، إذا ماتطلبت "معركة العراق"، التي هي أكثر أهمية بكثير من معركة سورية بالنسبة إلى طهران، أموالاً أخرى فإن الاستنزاف الإيراني سيتحوّل إلى عاصفة كاملة ومطلقة من المستبعد أن يستطيع الاقتصاد الإيراني المنهك تحملها.
ولعل هذه الحقيقة ترسم الآن على شفاه المسؤولين السعوديين ابتسامة رضى، وهم يرون خصومهم الفرس يغرقون في مستقع تلو الآخر في المشرق العربي. وهي (بالمناسبة) ابتسامة قد تلقي بعض الأضواء على الابعاد الإقليمية بعيدة المدى لهذه التطورات الدراماتيكية في بلاد العباسيين.
* * *
إلى أين الآن من هنا؟
انتصار داعش ليس وارداً، ولا مسموح به. لكن هذا التنظيم قد ينجح حتى ولو فشل هجومه الحالي، إذا ماتمكّن من إعادة إشعال الحرب الأهلية في العراق. وهو احتمال وارد بعد أن أدت سياسات المالكي الاقصائية إلى وضع تحويل المناطق السنّية العراقية إلى بيئة حاضنة، أو على الأقل قابلة تكتيكيا، لوجود داعش بين ظهرانيها.
وهذا أمر كان واضحاً في الموصل وتكريت، حين وافق "جيش الطريقة النقشبندية" الذي يقوده القائد البعثي عزة الدوري على خوض المعارك بشكل مشترك مع داعش، وحين لم تحرّك العشائر السنّية، التي سبق لها أن طردت القاعدة من مناطقها، حين دخلت داعش هذه المناطق الآن.
وبالتالي، أي مشروع حل للأزمة الطاحنة الراهنة لايتضمن إنهاء سياسات المالكي الإقصائية وإبرام عقد تاريخي- اجتماعي وطني جديد بين مكونات الشعب العراقي، سيكون هدية ممتازة لحرب داعش ومشروعها في كل المشرق العربي المتفجِّر.

سعد محيو- بيروت





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق