للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 20 يناير 2014

حروب القرن 21 : اللايزر، الجزئيات، ووحدات إمبراطورية "رومانية"



- I -
ما نوعية الحروب المستقبلية التي يعدها البنتاغون للعالم خلال السنوات القليلة المقبلة؟

إنها، ببساطة، تلك التي تبدأ بالعلم وتنتهي بالتكنولوجيا، او ما يسمى الان ب " الأسلحة الموجّهة بالطاقة ( القنابل الكهرومغناطيسية(E-bomb   ، سواء أكانت اللايزر، أو الموجات بالغة القصر، أو أشعة الجزئيات.
هذه الأسلحة، كما يقول الخبير العسكري الأميركي دوغلاس بيزون، " درامية ومدمرة وعميقة، إلى درجة انها ستغيّر الطريقة التي تشن فيها الحروب". وهي تتميز بالآتي:
n  السرعة الفائقة التي تمكنّها من الدوران حول الأرض أكثر من سبع مرات خلال ثانية واحدة. وهذا ما سيحيل كل أنواع الأسلحة الأولى إلى متاحف التاريخ.
n  الدور الكبير الذي يمكن ان تلعبه ضد الثورات الشعبية. وهذا صحيح على الأخص بالنسبة لسلاح يدعى " النفي الفعال"   ( Active denial  ) . هذا السلاح، المستند إلى موجات الجزئيات الدقيقة، يخترق جلد الثوار او المتظاهرين في مساحة تبلغ 700 متر، ويجعلهم يشعرون بأن جسمهم كله يحترق، برغم أن الحقيقة ليست كذلك، الأمر الذي يدفعهم إلى ترك كل شيء والهرب. البنتاغون يدعّي أن " النفي الفعال"  لا يسبب أمراضاً سرطانية، لكنه لم يقدم دلائل حسية على ذلك.
n  القدرة على إسقاط الصواريخ البالستية التكتيكية مثل " سكود" ، كما الأمر مع سلاح اللايزر " كويل" الذي يمكن إطلاقه من طائرات 747 المعدلّة.
 خبراء وزارة الدفاع الأميركية يقولون أن التجارب على الأسلحة الموجّهة بالطاقة تجري على قدم وساق، وأن هناك الان بالفعل  سبعة أسلحة لايزر،   وسلاح " نفي فعال " واحد. ويضيفون أن الدول الأخرى لن تكون قادرة على اللحاق بسباق التسلح الجديد هذا قبل عقود.
إلى ذلك، يضيف الخبراء انه بعد نهاية الحرب الباردة، إكتشفت الولايات المتحدة ان غياب العدو الرئيس الوحيد عن ساحة المعركة ( الاتحاد السوفييتي) ، لم يعن تبخر التحديات التي  قد تبرز في أي مكان  بما في ذلك الداخل الاميركي ضد المصالح والزعامة الاميركية في العالم.
وهنا ولدت إستراتيجية الامن القومي الجديدة، والتي تطلبت في الدرجة الاولى بدء تغيير الجيش الاميركي من قوة نظامية الى وحدات إمبراطورية،  شبيهة الى حد ما بوحدات الحرس الامبراطوري الروماني التي كانت تتنقل في كل انحاء العالم لقمع تمردات
" البرابرة ".
الجيش الاميركي بات يطلق على نفسه الان إسم " القوة الموضوعية "، ( للتمّيز  عن القوة الذاتية النظامية السابقة ) ، وهو يضع لنفسه الاهداف الاتية :
1-   العمل على نقل فرقة عسكرية اميركية الى أي مكان في العالم خلال 96 ساعة، لان التحديات الامنية غير المتوقعة في العالم تتطلب مثل هذه السرعة. والنموذج هنا هو حرب أفغانستان.
2-   إتباع المرونة في التعاطي مع الانماط المختلفة من الحروب، حيث أن بعض  المجابهات تتطلب وحدات عسكرية كبيرة ( العراق )، فيما تكفي مع  بعضها الاخر  الوحدات الصغيرة ( أفغانستان ، الصومال، الفيليبين  .. ألخ ) .
3-    بغض النظر عن طبيعة المهمة او المكان، يتعّين على وحدات الجيش الصغيرة التي ترسل بشكل روتيني الان الى ما وراء البحار، أن تتمتع بجهوزية  للتحرك في أي وقت، الى أي مكان.
4-   العمل على تطوير قدرات قوات الاحتياط الاميركية، كي تتمكن من مشاركة قوات الجيش في التدخل السريع في كل انحاء  العالم.
5-   وأخيرا، الحرص على خوض المعارك في إطار تحالفات عسكرية مع أصدقاء اميركا وحلفائها. فهذا لن يخفف فقط أعباء واكلاف التدخلات، بل سيسّهل أيضا على القوات الاميركية الحصول الى الشرعية الدولية الضرورية .

- II -

في أي إطار يجب وضع هذا المشروع العسكري العالمي الطموح الذي تضعه الولايات المتحدة لنفسها ؟.
في إطار المفهوم الإمبراطوري بالطبع.
 وبرغم أن بعض  الأميركيين ما زال مترددا في وصف " القوة المفرطة " الأميركية على أنها إمبراطورية، إلا أن هذه التحفظات بدأن تنحسر بالتدريج لصالح ما يصفه محللون اميركيون ب " حق الولايات المتحدة بأن تكون إمبراطورية عالمية ، بسبب قيمها ومبادئها إضافة الى قوتها " .
هذا، على سبيل المثال، ما يراه الجنرال وليان أودوم وروبرت دوجاريك ، مؤلفا كتاب " إمبراطورية اميركا غير المقصودة "، اللذين يشددان على أن الولايات المتحدة تهيمن على العالم بوسائل لم تعرفها الامبراطوريات السابقة أبدا. فالثقافة الاميركية تسيطر على كل مجالات الحياة في غالبية الدول. والقوة الاميركية هي قوة أكاديمية، وعلمية، واقتصادية، إضافة الى كونها عسكرية. وحقيقة أن الامبراطورية الاميركية برزت بدون قرار واع من جانب زعماء اميركا السياسيين، هو ما يجعلها " إمبراطورية غير مقصودة "، لكنها في الوقت ذاته إمبراطورية  ضرورية .
لا بل يقول محللون أميركيون الان أن الامبراطورية الاميركية ليست ضرورية فحسب ، بل لا غنى عنها أيضا .
هذا  هو جوهر الدراسة التي نشرها مؤخرا  المفكر الاميركي نيل فيرغوسون في دروية " فورين بوليسي  " ( تموز \ يوليو - آب \ غسطس ) بعنوان " عالم من دون قوة  ".
فهو رسم صورة مخيفة عما  يمكن أن يحدث للعالم، إذا ما قررت الولايات المتحدة التخلي عن الزعامة  العالمية والعودة الى العزلة. وهو يرى ان البشرية ستعود حينذاك الى الحال الذي كانت عليه في القرنين التاسع والعاشر ميلادي، الذي شهد تراجع الامبراطوريات البيزنطية والاسلامية والصينية، وتفكك وتذرر العالم الى شظايا سياسية متحاربة  ومتقاتلة.
ويضيف ( وهنا الاهم ) ان السمة الرئيس لهذين القرنين،  اللذين إنحسرت  عنهما القوة الامبراطورية، هو غياب التوجهات العلمانية  وغلبة الصراعات الدينية على جداول الاعمال السياسية. ففي القرن التاسع، مزقّ الخلاف حول دور الايقونات في العبادة المسيحية الامبراطورية البيزنطية. وفي القرن الحادي عشر نشبت الحروب بين البابا وبين رأس الامبراطورية الجرمانية المقدسة حول من يحق له تعيين الاساقفة. وفي العالم الاسلامي حكم الائمة ورجال الدين بشكل فعلي. وقد إنتهت هذه الحقبة  بحروب مقدسة غير عادية هي الحروب الصليبية  التي دشنها الاوروبيون العام 1095 .
الرسالة هنا واضحة: من دون هيمنة الامبراطورية الاميركية على العالم، وفي غياب أي بديل أو منافس جدّي  لهذه القوة المفرطة،  سيغرق هذا العالم في ظلام قرون وسطى دامسة جديدة !.
ولتجنب هذا المصير ، سيكون على العالم الامتثال لأملاءات القوة الاميركية المفرطة، لا بل أيضا  الترحيب بالتدخلات الاميركية في كل مكان، بما في ذلك بالطبع التدخلات العسكرية.
والحال أن جميع فئات النخب الاميركية الحاكمة تبدو مقتنعة تماما بهذه الفكرة ، يستوي في ذلك الديموقراطيين كما الجمهوريين ، الليبراليين كما المحافظين، وحتى أيضا القوى اليسارية الاميركية المعادية للامبريالية التي ترى هي الاخرى ( كما في كتاب " الامبراطورية لنيغري ) أن القوة الاميركية  ليست لا إستعمارا جديدا ولا إمبريالية مستجدة ولا حتى طفرة قومية زائدة ، بل هي إمبراطورية من نوع جديد تدمج  العالم وتندمج به.
وبهذا المعنى ، تصبح اميركا هي العالم ، وتتحول قواتها الى فرق عسكرية في خدمة " إمبراطورية العولمة " ، التي هي الوجه الاخر الحقيقي للأمركة.
قد يعجب هذا الكلام بعض أنصار العولمة ، وقد يثير غضب غالبية الاطراف  التي ترفض ان تكون " خدماً " في بلاط الامبراطورية الاميركية ( كما اعلن جاك شيراك مؤخرا ). لكن هذا لن يغّير من الامر شيئا : القوة الاميركية المفرطة لن تقبل بأقل من الهمينة التامة على حديقتها العالمية الشاسعة. وبالتالي ،   " الاف. بي. أي "  يجب أن ينظر أليها  من الان فصاعدا  على انها " أف. بي. أي " العالم ، وكذا الامر بالنسبة للجيش والمارينز وكل الفرق الامبراطورية الجديدة.
سعد محيو

(*) Douglas Beason: E-bomb:  How America's new directed weapons will change the way future ways will be fought.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق