للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

السعودية، بعد إيران، بدأت تئن من أكلاف الحرب السورية


- I-
كل الدلائل تشير إلى أن الوهن من الأزمة السورية بدأ يضرب القوى الإقليمية المنهمكة في الحروب بالواسطة فيها، خاصة إيران والسعودية.
هل تنتهي الحروب بالواسطة بين إيران والسعودية؟ (الصورة من غوغل

حتى الآن، كان من المعتقد أن إيران هي المتضرر الإقليمي الأكبر من الحرب السورية، إلى درجة بات معها العديد من المحللين الغربيين يطلقون  اسم "فيتنام إيران".  لكن يبدو أن السعودية تسبح هي الأخرى، إلى هذا الحد أو ذاك، في المستنقع نفسه.
أرقام الكلفة الإيرانية في هذه الحرب تبدو فلكية بالفعل. إذ علاوة على الإمدادات الضخمة بالأسلحة والعتاد والنفط والغاز لنظام الأسد، إضافة إلى تمويل العمليات العسكرية لحزب الله اللبناني في سورية ولبنان، يقال أن طهران تتكفل منذ أكثر من سنة ونصف السنة بدفع رواتب الموظفين الرسميين السوريين، الذين يناهز عددهم الـ7 ملايين موظف، بمبلغ يقارب المليار دولار شهريا.
هذا في حين أن الاقتصاد الإيراني يعاني بشدة من العقوبات الدولية والأميركية الصارمة المفروضة عليه. فقد وصلت معدلات البطالة بين الشباب إلى أكثر من 40 بالمئة، فيما تجاوز التضخم نسبة الـ30 في المئة، وهبطت قيمة العملة الإيرانية (الريال) بنحو 60 في المئة خلال أشهر قليلة.
هذه الوقائع الاقتصادية كانت السبب الرئيس وراء الاندفاعة الإيرانية الراهنة لمحاولة إبرام "صفقة كبرى" مع الولايات المتحدة حول كل من برنامجها النووي وأدوراها الأقليمية، خاصة في مايتعلق بملف "فيتنام إيران" (أي سورية).
- II-

 كل هذه المعطيات كانت واضحة ومعروفة. لكن مالم يكن واضحاً هو أن تكون المملكة السعودية بالغة الثراء في ضيق هي الأخرى من أكلاف ومضاعفات الحرب السورية، على رغم أن الرياض تعتبر الحرب بالواسطة التي تشنها ضد طهران في سورية أمراً ضرورياً من الناحية الاستراتيجية لمنع ماتعتبره تطويقاً إيرانياً لها من البوابات العراقية والبحرينية واليمنية.
وهنا تنقل "فايننشال تايمز" عن الكاتب السعودي حسين شوبكشي قوله:" إن دعم الثوار (السوريين) هو قرار استراتيجي في السياسة الخارجية السعودية، مثله مثل القرار بدعم الحكومة المصرية الحالية. وهذا يعني على الأرض زيادة دعم الجيش الحر. إذ أن هذا "النظام المجرم" (النظام السوري) يمكنه تصدير إرهاب حزب الله إلينا. ولذا هذه المسألة في الخليج تتعلق بالأمن القومي".
بيد أن مصادر دبلوماسية (فاينناشال تايمز) تشير إلى هذا "القرار الاستراتيجي" السعودي في سورية بات تعتيره الشكوك والوهن بفعل سلسلة من العوامل، منها:
1- الصفقة الروسية- الأميركية حول الاسلحة الكيميائية السورية، التي عنت عملياً منح الرئيس بشار الأسد فسحة إضافية من فرص البقاء قد تمتد حتى منتصف العام 2014 موعد انتهاء ولايته الرئاسية. وهذا سدد صفعة قوية لطموحات وآمال الرياض، التي كانت تعتقد أن من شأن أي ضربة عسكرية أميركية أن تؤدي إلى تهاوٍ سريع لنظام الأسد.
2- تمرد 14 فصيلاً مسلحاً إسلامياً سورياً على الإئتلاف الوطني السوري الذي لم تستلم  مملكة السعوديين مفاتيح قيادته من قطر سوى قبل أشهر قليلة (عبر تعيين أحمد الجربا الموالي لها رئيساً له). وهذا أضعف إلى حد كبير الدور السعودي في الداخل السوري وبين القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية.
3- التقارب المفاجيء بين إيران والولايات المتحدة، والذي دق أجراس إنذار قوية في الرياض خوفاً من "صفقة كبرى" ثنائية تكون على حسابها في منطقة الخليج.
4- الصعود الكاسح للتنظيمات المرتبطة بالقاعدة في سورية، (خاصة الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة)، والتي يقال أنها تضم مئات المواطنين السعوديين الذين قد يعودون قريباً إلى بلادهم معبئين بالإديولوجيا الجهادية المتطرفة والخبرة القتالية المتطورة.
لكن مايبدو مفاجئاً هنا أن يكون العامل المالي وارداً على رأس العوامل التي بدأت ترهق الرياض. وهذا ما كشف النقاب عنه إميل حُكيِّم، الخبير في المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية. قال: " حتى  دولة غنية وكبيرة كالسعودية بدأت تواجه قيوداً في المداخل والقدرات والخبرات في كيفية التعاطي مع تعهدات ضخمة كتلك التي التزمت فيها افي سورية. هذا علاوة على دفع أموال طائلة، والصعوبات التي تترافق مع عملية توفير الأسلحة، وإقامة علاقات طيبة مع الشخصيات السابقة في النظام، ومشايخ القبائل، والقادة الإسلاميين والمنشقين العسكريين".
 تخشى الآن أن يشكّل انغماسها على هذا النحو المتصاعد في الحرب السورية إلى استنزاف حقيقي لاقتصادها، خاصة حين نضع في الاعتبار أن هذه الحرب المدمّرة قد تستمر لعشر سنوات أخرى.
ويتساءل المراقبون هنا: هل يمكن أن يدفع هذا الاستنزاف المشترك الإيراني- السعودي الطرفين إلى وقف حروبهما بالواسطة في سورية، وبالتالي إلى البحث عن حلول وسط للأزمة فيها؟
مستشار بارز في الحكومة الإيرانية رد على هذا السؤال بالقول:" إن التوترات الإقليمية لن تنحسر ما لم تتوصّل إيران والسعودية إلى اتفاق ما حول سورية والعراق. وإذا لم يتم احتواء العداوات بين الطرفين، فالسعوديون سيبذلون قصارى جهدهم لنسف أي صفقة ننوية بين إيران والولايات المتحدة".
 هذه التغيرات المتسارعة في كيفية مقاربة كل من إيران والسعودية للأزمة السورية، قد تحدث شقوقاً كبيرة في جدار الحرب الإقليمية الاستقطابية بين الرياض وطهران، يمكن أن تنفذ منها الدبلوماسية للعمل على وقف استخدام بلاد العباسيين كساحة للحروب بالواسطة بينهما.
بيد أن المراقبين يحذّرون من أن القلق السعودي الكبير حيال المحادثات السرية وغير السرية بين طهران وواشنطن، قد ينسف، على المدى القريب على الأقل، أمام أي تفاهمات إيرانية- سعودية محتملة حيال سورية والعراق.

سعد محيو

________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق