للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

هل ينسف الأكراد حدود سايكس- بيكو وكياناتها ؟ (الحلقة الأولى)



- I -
هل يكون الأكراد هم الصاعق الرئيس الذي سيفجِّر حدود ودول وكيانات سايكس بيكو في المشرق العربي؟
هذا السؤال الكبير كان صغيراً للغاية قبل أقل من سنتين من الآن. والسبب كان واضحاً: الدول الأربع التي تقع في إطارها ديمغرافيا كردستان الكبرى (تركيا، سوريا، إيران، والعراق)، كانت متفقة بشكل كامل على منع قيام أي كيان كردي موحّد في المنطقة.
بيد أن الصورة انقلبت رأساً على عقب بعد الانتفاضة السورية التي تحوّلت الآن إلى حرب أهلية، وأيضاً بعد التغييرات الكاسحة التي تشهدها تركيا في مجال سياستيها الداخلية والخارجية، خاصة إزاء القضية التركية.
ففي الصيف الماضي، أخلى الجيش النظامي السوري فجأة  المناطق الكردية الحدودية الشمالية الشرقية المحاذية لتركيا، فارضاً بالتالي على هذه الأخيرة مواجهة كيان كردي جديد في الجنوب.
لكن، بدلاً من أن ينفذ رئيس الحكومة التركي أردوغان تهديده قبل سنة واحدة من هذا التطور بأنه سيستخدم القوة العسكرية لمنع قيام أي كيان كردي مستقل في سورية، عمد إلى فتح أبواب الحوار مع حزب الاتحاد الكردي السوري، الذي يعتبر فرعاً من حزب العمال الكردستاني الذي كان يقاتل أنقرة منذ 30 عاماً في حرب عصابات أودت بحياة زهاء 40 ألف شخص.
وهكذا، تم الشهر الماضي دعوة زعيم حزب الاتحاد صالح مسلم إلى زيارة أنقرة واسطنبول، حيث التقى العديد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الأتراك، وخرج بعد هذه الاجتماعات ليعلن أن "ثمة تغييراً كبيراً في السياسة التركية إزاء حزبه". وعزا مسلم هذا التغيير إلى أن "الأكراد في الشرق الأوسط أصبح لهم ثقلهم ولم يعد في وسع أحد القفز فوق قضيتهم أو أغفال دورهم في المعادلة الدولية".
وينتظر أن يعود مسلم هذا الأسبوع إلى أنقرة لمواصلة محادثات التنسيق مع تركيا، التي تقوم الآن بوساطة بينه وبين القوات السلفية  التي تقاتل قوات حزبه منذ نحو الشهر في المناطق الكردية.
- II -
أسباب هذا الانقلاب في الموقف التركي لاتتعلق فقط بالتطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة السورية، بل أيضاً بالتغييرات الكبرى التي أدخلها حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم على توجهات أنقرة حيال الأكراد بشكل عام.
نقطة البداية كانت في شمال العراق، حيث تعمل أنقرة منذ سنوات عدة لدمج إقليم كردستان العراق في منظومة اقتصادها القومي. وهي نجحت في ذلك إلى حد بعيد. إذ هي تزوّد الإقليم بمعظم وارداته التي تشكّل 70 في المئة من صادرات تركيا إلى العراق (11 مليار دولار). بيد أن العامل الاهم في هذه العلاقة هي صفقة الطاقة بين الطرفين، التي ستكون في الواقع المدماك الرئيس لقيام تحالف استراتيجي حقيقي بين أنقرة وكردستان العراق.
ويعتقد أن صفقة الطاقة، التي لم يكشف بعد النقاب عن مضمونها، ستمنح تركيا امتيازات كبرى لاستكشاف حقول النفط والغاز في شمال العراق. كما أنها تمنح هذه الأخيرة أسعاراً تفضيلية لصادرات الإقليم النفطية. وفي المقابل، تساعد تركيا الحكومة الإقليمية على بناء بنى تحتية لخطوط أنابيب تسمح بنقل الغاز والنفط إلى تركيا، من دون الاعتماد على خط أنابيب الغاز الوطني العراقي الذي تسيطر عليه حكومة بغداد.
نقطة الانطلاق الثانية في العلاقات التركية- الكردية برزت مع توصُّل مساعدي أردوغان إلى اتفاق مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلى اتفاق لوقف الحرب بين الطرفين، في مقابل إدخال إصلاحات دستورية ولغوية وإقليمية لصالح أكراد تركيا.
هذا الاتفاق، الذي تضمَّن انسحاب قوات البيشماركة من تركيا إلى شمال العراق، لايزال صامدا حتى الآن، وهو ينتظر نجاح أردوغان في إدخال التعديلات الدستورية الضرورية لتوسيع دائرة الحقوق القومية الكردية.
وأخيراً، جاء التقارب الجديد بين تركيا وأكراد سورية ليستكمل وضع كل خريطة كردستان الكبرى (ماعدا كردستان إيران، حتى الآن على الأقل)، في حضن "العثمانية الجديدة" التي تنبعث الآن في بلاد الأناضول.
- III -
الآن نعود إلى سؤالنا الأولي: كيف يمكن لهذه التطورات المتلاحقة على الساحة الكردية، أن تغيّر خريطة  سايكس - بيكو في المشرق العربي؟

سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق