للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

إخوان مصر بين الخيار التركي والكارثة الجزائرية



مصير حكم الأخوان المسلمين في مصر خُتِمَ على مايبدو وانقضى الأمر. وهو يتراوح الآن بين قدرين: إما فترة انتقالية بإشراف الجيش على النمط التركي ماقبل الأردوغاني، أو حرب أهلية ضروس على النمط الجزائري.
الخيار الأول طرح نفسه بقوة بعد بعد أن دخل الجيش على خط الأزمة، وبقوة وسرِّية مفاجأءين، ما أوحى أن المؤسسة العسكرية كانت تعرف سلفاً الحجم الضخم للتظاهرات ضد الإخوان المسلمين في البلاد.
وهذا كان واضحاً من إشارة بيان وزير الدفاع السيسي إلى أن الجيش يملك" خطة طريقة لمرحلة مابعد الأزمة". وبالطبع، مثل هذه الخريطة الدقيقة لايمكن أن تولد بين ليلة وضحاها، بل هي تتطلب وقتاً مديداً وتخطيطاً بعيد المدى.
هذه النقطة الأخيرة بالتحديد، هي التي تجعل المرحلة الحالية من تجربة الإسلاميين المصريين في عملية الانتقال إلى الديمقراطية، شديدة الشبه بالتجربة التركية.
ففي العام ،1997 حين وصل زعيم الإسلاميين الأتراك نجم الدين أربكان إلى السلطة محمولاً على أكتاف الناخبين المسلمين (المؤمنين كما الحزبيين)، مارس السياسة نفسها التي يمارسها الآن الإخوان المسلمون المصريون. أي: محاولة أسلمة الدولة بسرعة، وخلق شرخ في الإجماع الوطني حول وسائل الانتقال إلى الديمقراطية، والتحرُّك لإدماج الدولة في حزبه الإسلامي بدل العكس.
أخوان مصر فعلوا الشيء نفسه: فهم اعتقدوا أن الفوز بنصف أصوات المصريين أمر كاف بالنسبة إليهم لإسباغ الشرعية على عملية سيطرة تنظيمهم شبه السري على بنية الدولة العلنية ومؤسساتها وبيروقراطياتها، فضربوا عرض الحائط بمفهوم الإجماع الوطني الخطير والحاسم في المراحل التأسيسية الجديدة للدولة - الأمة، وفشلوا في تقدير حجم المعارضة التي قد تنشأ ضدهم من قِبَل الدولة والمجتمع ضد عملية الأخونة هذه.
في تركيا، أدى ذلك إلى انقلاب الجيش على أربكان، وأقصاء الإسلاميين على السلطة لخمس سنوات كاملة. ولم تنته هذه العزلة إلا بعد أن فهم الإسلامييون الأتراك أن "الولاء والبراء" لتنظيمهم يجب أن يتحوّل في السلطة إلى ولاء للدولة والعملية الديمقراطية. وهذا ماأفرز التجربة الأردوغانية الحالية.
خريطة الجيش
الجيش المصري يبدو من البيان التحذيري الذي أطلقه ضد الإخوان بضرورة تسوية الأزمة خلال 48 ساعة، أنه يخفي في كمّه هذا الحل التركي السابق: أي انتزاع السلطة المنتخبة من أيدي الإخوان، والإشراف على مرحلة انتقالية جديدة تتضمن انتخابات رئاسية قد ينجح فيها مجدداً مرشح الإخوان، لكن بعد أن يكون قد فهم الدرس  أن يكون أردوغانياً لا أرباكيا.
والحال أن هذا التطور سيكون في مصلحة جماعة الإخوان نفسها، التي يمكنها حينذاك أن تخرج من إسار قوقعاتها التنظيمية السرية المغلقة إلى رحاب العمل الجماهيري الأوسع الذي جعل  حزب العدالة والتنمية التركي يضم في صفوفه 8 ملايين عضو من مختلف المشارب والتيارات، ويفوز بأصوات 30 مليون تركي ثلاثة أرباعهم من غير الإسلاميين.
كما أن هذا التطور من مصلحة عملية الانتقال إلى الديمقراطية نفسها، لأنه سيوفِّر فرصاً أفضل بكثير لبلورة إجماع وطني حول برامج النهوض الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي الصعب، لا بل المستحيل إذا ما استمر الانقسام والاستقطاب الحاليين في مصر بفعل سياسات الإخوان الانغلاقية.
الخيار الجزائري
لكن، ماذا لو رفض الإخوان قبول هذه الصيغة التركية، وقرروا مجابهة الجيش وملايين المعارضين بحجة الدفاع عن الشرعية الانتخابية؟
هنا ستفتح الأبواب على مصراعيها أمام الخيار الجزائري الذي برز في أوائل التسعينيات، والذي فجّر حرباً أهلية دموية دامت نيف وعشر سنوات. وهذا حدث حين ردت التيارات الإسلامية المتطرفة على تحرّك الجيش لوقف العملية الانتخابية التي صبت لمصلحة الإسلاميين بتفجير أعمال العمل، وجرّت معها إلى المعمعة التيارات الإسلامية المعتدلة.
والحصيلة: مئات آلاف القتلى والجرحى، وعدم تمكُّن الجزائر حتى الآن من إرساء صيغة مستقرة للحكم تحظى بالمقبولية الشعبية.
هذا الخيار الجزائري سيبرز إذا ما بادر الجهاديون المصريون إلى تنفيذ تهديداتهم باستخدام "الحديد والنار" لحماية شرعية مرسي. إذ حينها لن يُفرِّق الجيش المصري ولا نصف الشعب، الذي يلوذ الآن بشعار "تمرد"، بين الجهاديين والإخوان، وستكون المسألة مسألة وقت قبل أن تعود مصر إلى عهد سلطوي- عسكري- أمني جديد أشد وطأة من نظام مبارك.
قد يقال هنا أن الحديث عن حرب أهلية في مصر ليس واردا، لأن هذا البلد استقرت فيه بنية الدولة منذ سبعة آلاف سنة ومجتمعه متناسك وشبه متماسك. وهذا صحيح. لكن الصحيح ايضاً أنه في التاريخ هناك دائماً "مرة أولى". حدث هذا في كل الحروب الأهلية التي وقعت "للمرة الأولى" في الولايات المتحدة وانكلترا وألمانيا وروسيا وغيرها، ولذا لايجب استبعادها الآن في مصر.
بيد أن هذا يجب أن ينتظر حصيلة السباق الراهن بين الخيار التركي والخيار الجزائري في مصر. وهو سباق خطير، خطير، حقا.

سعد محيو- بيروت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق