للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 12 أبريل 2013

كوريا وإيران: كيف تخسر أميركا.. إذا ربحت!



- I -
كلما طفا اسم نظام كوريا الشمالية على سطح الأحداث، كلما لحقه فوراً اسم نظام إيران.
لكن في كلا الحالين ينبثق سؤال مُحيِّر واحد: هل من مصلحة الأمن القومي الأميركي محو النظامين عن الخريطة، أم على العكس بقائهما؟

صواريخ كوريا الشمالية: في خدمة من؟ (الصورة من غوغل

طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، كانت الوقائع تشير إلى أن حجة الخيار الثاني، أي بقاء النظامين، هي الأقوى. فوجود النظام الإيراني، في صيغته التوسعية الراهنة، يوفّر للولايات المتحدة مزايا لاتقدَّر بثمن: تواجد عسكري دائم في منطقة الخليج؛ مبيعات أسلحة أسطورية لدول المنطقة على رغم أنها نادراً ما تُستخدم؛ اعتماد هذه الدول على مظلة الردع الأميركي للحفاظ على أمنها الوطني ضد تهديد إيراني مُفترض؛ وأخيراً إمساك الولايات المتحدة بقارة أوراسيا من رقبتها، عبر التحكُّم بصنابير النفط وخطوط إمدادته وأسعاره.
- II -

وكما في خليج العرب والفرس، كذلك في خلجان شبه الجزيرة الكورية.
فالبعبع الكوري الشمالي يثير بصواريخه وتهديداته النارية وأسلحته الذرية (على رغم محدوديتها وصغر حجمها) القشعريرة في أبدان اليابانيين والكورييين الجنوبيين وبقية سرب النمور الآسيوية، وهذا كافٍ وحده لدفع هذه الأطراف إلى الارتماء في أحضان المظلة العسكرية الأميركية إلى أمد غير منظور. كما أنه وفّر أخيراً مبررات كافية للغاية كي تقوم واشنطن بنشر مزيد من الصواريخ والأساطيل في كل أنحاء الباسيفيك، ماخدم بشكل مطلق استراتيجية البيفوت" (Pivot ) الأميركية الجديدة، أي الاستدارة شرقاً نحو منطقة آسيا- الباسيفيك.
لو أرادت الولايات المتحدة أن تضع حداً لقعقعة الحرب الدائمة الكورية الشمالية، لتمكنت من ذلك خلال أيام قليلة.
فالبنتاغون لديه خطة  لشبه الجزيرة الكورية تُدعى Operation Plan 5027 (عملية الخطة 5027)، تقوم بموجبها القوات الأميركية بإلحاق هزيمة كاسحة وسريعة بكوريا الشمالية، من خلال تدمير كل مواقع الصواريخ والمدفعية بعيدة المدى، وقبلها الدفاعات الجوية، وبعدها جميع البنى التحتية العسكرية والمدنية الكورية الشمالية.
ويعتقد الخبراء العسكريون الأميركيون أن هذه الخطة قادرة على تحقيق أهدافها بنجاح تام، الأمر الذي سيحبط أي رد فعل محتمل من جانب بيونغ يانغ. ويضيفون أنه إذا ما جُنَّ جنون كيم جونغ ين وعمد إلى تنفيذ وعيده باستخدام الأسلحة النووية، فهذا سيسفر عن محو معظم مدن بلده في غضون 20 دقيقة.
والمؤكد أن البنتاغون وضع خطة شبيهة بـ" عملية الخطة 5027" لإيران. والمسؤولون فيه لم يخفوا أن هذا الأمر موجود منذ سنوات، وهو يتضمن ليس ضرب المنشآت النووية الإيرانية وحسب، بل كل البنى التحتية العسكرية والمدنية أيضا.
- III -
الآن، طالما أن هذه الجهوزية العسكرية الأميركية جاهزة وحاضرة ضد هاتين الدولتين اللتين تصنفهما الولايات المتحدة على أنهما "الأخطر على الأمنين القومي الأميركي والعالمي"، فلماذا هي موضوعة على رف الإهمال؟ ومتى يمكن أن تدخل حيز التنفيذ؟
الجواب بسيط ومباشر: طالما أن هذين "الذئبين الكاسرين" (على حد تعبير مسؤول أميركي) لم يغادرا القفص الموضوع لهما، فهما سيواصلان خدمة المصالح الأميركية بشكل مطلق. لكن، في حال قررا مغادرة هذا القفص، فستدخل عملية الخطة 5027 موضع التنفيذ فورا.
إيران كانت حريصة طيلة السنوات الماضية على تجنّب مغادرة هذا القفص، مثلاً مثل تنفيذ التهديد بإغلاق مضق هرمز، فبقيت ضمن دائرة الخطوط الحمر الأميركية.
لكن يبدو أن لدى الزعيم الشاب لكوريا الشمالية بعض الحسابات المخطئة التي دفعته إلى الاعتقاد بأن روسيا والصين سترحبان بتصعيده ضد الولايات المتحدة، في إطار الصراع الاستراتيجي الجديد بين القوى الكبرى على تحديد مصير ومستقبل آسيا- الباسيفيك. وهذا ماجعله يواصل اللعب على حافة الهاوية.
بالطبع، الأرجح أن يتراجع كيم جونغ ين بعد أن تصله رسائل أكثر وضوحاً من بجينغ، وبعد أن يجري تجربة صاروخية جديدة يدّعي بعدها أنه حقق النصر.
لكن المفاجآت واردة. فشبه القارة الكورية تجلس الآن فوق برميل بارود، وأي شرارة عن طريق الخطأ قد تفجّر الوضع برمته.
وفي حال حدث ذلك، "ستضطر" الولايات المتحدة إلى استخدام عضلاتها العسكرية، فتربح الحرب، لكنها تخسر "بعبعاً" لطالما خدم بتهوره وتصعيده مصالحها القومية والاستراتيجية!

سعد محيو
  

هناك تعليق واحد: