للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 4 مارس 2013

إخوان مصر أمام المأزق الأكبر: الاقتصاد (الحلقة الثانية)




- I -

تساءلنا بالأمس (اليوم، غدا-3-3-2013) عن رؤية جماعة الأخوان المسلمين المصرية للمسألة الاقتصادية الأكثر خطورة على مصير مستقبلهم في السلطة.
( ثورة العيش" آتية في مصر( الضورة من غوغل

ونقول اليوم أنه يجب التمييز خلال فرز ألوان هذه الرؤية بين البرامج الانتخابية للأخوان، التي يطغى عليها النزعة الشعبوية الهادفة إلى إرضاء أذواق ومطالب الأصوات الشعبية، كما في برامج كل الأحزاب السياسية، وبين الجوهر الحقيقي لهذه البرامج.
على سبيل المثال، نرى في البرامج الانتخابية  للإخوان على مدى الفترة 2005-2011، أن المشكلات الاقتصادية تتلخّص بالنسبة إليهم بصورة مركزة في الفقر والبطالة وعجز الموازنة والدين العام، واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وارتفاع الأسعار، وغياب العدالة الاجتماعية، وتدهور الخدمات الأساسية (الكهرباء، الماء، الطاقة، التعليم)، وضعف مناخ الاستثمار في البلاد، وفشل النظام السابق في السياسات العامة ( الزراعة، الصناعة، الصحة..).
  كذلك، برنامج حزب الحرية والعدالة يصف الاقتصاد بأنه "يعاني من تشويه الأسواق وعدم انضباطها، وارتفاع معدلات التضخم وسيادة الاحتكارات في مجال الصناعة، والغذاء، والزراعة، والخدمات، بل وحتى عمليات الاستيراد للغذاء والسلع. كما خلقت الأوضاع الاقتصادية المذكورة بنية مؤسسية مهلهلة يسودها الفساد وتدهور ملموس في الخدمات العامة، وتزايد معدلات الفقر وغياب عدالة التوزيع".

- II -

هذه التوجهات العامة نجدها عملياً، كما ذكرنا، في كل برامج الاحزاب السياسية الأخرى. ومع ذلك ثمة حلقات عدة مفقودة فيها لخَّصها الاقتصادي البارز د. إبراهيم سيف (في دراسة(*)  مشتركة مع الباحث محمد أبورمان من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ) بالتالي:
- غاب عن البرنامج الاطار الكلي للإقتصاد وكيف يمكن التوفيق وتحقيق التوازن بين القطاعات وزيادة الاستثمارات الى نسبة 30 في المائة من الناتج، وخلال اية فترة .
-         غياب أي حديث عن السياسة النقدية (سعر الفائدة وسعر الصرف والتضخم وما هدف هذه السياسة: هل هو تحقيق النمو أم الحفاظ على الأسعار ومستويات التضخم.)
-         غياب الحديث عن سياسات تجارية ذات ابعاد اقليمية (التجارة العالمية، الشراكة مع أوروبا والولايات المتحدة)
-         عدم وضوح كيف سيتم التوفيق بين المطالبة بالتوسع في الانفاق العام وبين ضرورة المحافظة على نسب مقبولة من العجز في الموازنة ومديونية القطاع العام.
-         غياب الاطار الزمني الواضح للحلول والسياسات المقترحة.
-         غياب موقف واضح من كيفية التعامل مع المؤسسات الدولية وكيف سيتم التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمي، هذا على الرغم من تأكيد بعض من صاغوا البرنامج الاقتصادي للحزب بأن الخلاف ليس مع تلك المؤسسات بل مع السياسات التي تقترحها.
-         لم تتضمن الخطط موازنات بديلة لتلك القائمة حالياً تتضمن كيف سيتم اعادة النظر في تخصيصات على القطاعات المختلفة.
-         لم تتطرق الأدبيات الى موازنات الدفاع والأمن وكيف سيتم اخضاعها للمؤسسات التشريعية، ولم تتطرق بيانات الجماعة الى البنود غير الواضحة، بل ركزت على ضرورة اعادة النظر في بعض اشكال الدعم. أما مثلا حقيقة كون المؤسسة العسكرية تتحكم بنسبة قد تصل الى 20 في المائة من  حجم الاقتصاد المصري فلم يتم التطرق اليها على الإطلاق.
-         على الرغم من الاعتماد على الاستثمارات كما يرد في أدبيات الحزب لحل مشكلة البطالة، إلا أن العلاقة مع الفاعلين الاقتصاديين وكيف سيتم التأطير لها غير واضحة ولا يتم التطرق اليها.
-       - III -

كل هذه "الحلقات المفقودة" خطيرة بالطبع. لكن، ثمة ما هو أخطر بكثير:
فتوجهات الإخوان الاقتصادية لاتلتقط المعضلة الكبرى الحقيقية التي تضرب الاقتصاد المصري، وهي تحوّله خلال العقود الأربعة الماضية من اقتصاد انتاجي نجح النظام الناصري السابق في أرسائه على أساس نحو 2000 مصنع كبير ومشاريع زراعية عملاقة كالسد العالي، إلى اقتصاد خدمات سياحية ومالية ومضاربات عقارية أسفرت عن تهميش معظم الـ90 مليون مصري، وحصرت الامتيازات والعطايا بأقل من 1 في المئة من السكان.
من دون تطوير الصناعة، وتحديث الزراعة، وإطلاق التحديث التكنولوجي والعلمي من عقاله،  (أي عملياً قطاعات الانتاج)، لاسبيل البتة لخروج مصر من كبوتها، ولا لوقوف اقتصادها على رجليه، ولا لتجنّب الانفجارات الإجتماعية الكبرى، ولا بالطبع لتوظيف الجيوش الهائلة من الشبان المتبطلين الذين ينضمون سنوياً إلى سوق العمل.
لكن يبدو أن الاتفاق السري الذي أشرنا إليه البارحة بين واشنطن والإخوان، والذي تضمّن موافقة هؤلاء الأخيرين على الالتزام بمنطوق "إجماع واشنطن" المتمحور حول السوق الاقتصادي الليبرالي "المتوحش"، إضافة إلى معارضة إسرائيل لبروز اقتصاد مصري انتاجي- تكنولوجي (وفق توزيعات مشروع الشرق الأوسط الجديد)، سيفرضان على "جمهورية الأخوان" إعادة انتاج نظام مبارك الاستهلاكي- الخدماتي نفسه وإن مع تعديلات طفيفة.
وإذا ما حدث ذلك، والأرجح أنه سيحدث، يمكن بسهولة توقع انفجار ثورة ثانية في مصر ستكون طبقية بالكامل هذه المرة.
الإخوان، إذا، أمام مأزق اقتصادي خطير بالفعل. لكن، هل المعارضة المصرية قادرة على الإفادة منه؟
لايبدو ذلك.
لماذا؟
(غدا: الحلقة الثالثة)
سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق