للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 22 مارس 2013

ماذا بين الأسد والمالكي وعبد الله ونصر الله؟



- I -
هنري كيسينجر اعتاد أن يقول: سوء الطالع التاريخي قد يلازم بعض الأمم، تماماً كما يفعل مع بعض الأشخاص منكودي الحظ.

هذه المقولة تبدو منطبقة بحذافيرها هذه الأيام على أربع دول دفعة واحدة في منطقة الهلال الخصيب: العراق، سوريا، الأردن، ولبنان.
ففيما تتعرّض هذه البقعة الاستراتيجية التي تعتبر (إلى جانب مصر) قلب الشرق الأوسط وأحد المفاتيح المهمة لقارة أوراسيا، إلى أعاصير جامحة تهدد بنسف خرائط الأنظمة والكيانات والأوطان التي رُسِمت العام 1905 بين سايكس وبيكو، تحتل مواقع السلطة في الدول الأربع شخصيات سياسية، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تفتقر إلى أي حس تاريخي، أو أي إدراك للأبعاد الاستراتيجية لما يجري.
ففي العراق، وعلى رغم السلطات الواسعة التي حصدها نوري المالكي من خلال مد سيطرته إلى الجيش ومؤسسات الدولة السيادية والعديد من الأجهزة الأمنية، لايزال يتصرّف كسياسي عادي في ظرف عادي، لاهم له سوى تحصين مواقعه في السلطة، واللعب على التناقضات بشتى أنواعها، ومحاولة إعادة إنتاج النظام السلطوي الصدّامي السابق.
أبرز مؤشر على ذلك كان مافعله رئيس الوزراء العراقي مباشرة بعد إتمام الانسحاب الأميركي من البلاد. فهو بدلأ من أن يسارع إلى طرح برنامج وطني شامل يوحّد في إطاره شعث المجتمعين العراقيين السياسي والطائفي - العرقي، عمد إلى الانقضاض فوراً على منافسيه من السياسيين السنّة، معتقداً أن الوقت بات مناسباً لمركزة السلطة في يده.
والحصيلة؟
أنها جلية الآن: بدل أن يسيطر المالكي على زمام الأمور، أفلتت هذه الأمور من يده في المحافظات السنّية الأربع وفي كردستان وبعض المناطق الشيعية، وعاد العراق برمته ليرقص مجدداً على إيقاع موسيقى التقسيم والتفتيت التي تعزفها الآن بصخب  الحرب الأهلية السورية المدمّرة.
وهكذا، كان المالكي الرجل غير المناسب، في المكان غير المناسب، وفي الوقت غير المناسب.
- II -
في سورية، يبدو أمر القيادة السياسية أسوأ بكثير.
فالرئيس بشار الأسد اعتقد أنه تقمّص شخصية والده حافظ حين استل هذا الأخير سيف الحسم الأمني لمواجهة تمرد الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، وحقق استقرار نظامه بعدها طيلة ثلاثة عقود.
لكن بشاراً نسي أن حافظ قد مات، وماتت معه ظروف نجاحه. فسورية تغيّرت من بلد صغير لايتعدى سكانه الستة ملايين نسمة إلى بلد كبير يفوق تعداده الـ22 مليون نسمة، جلّهم من أعضاء الطفرة الشبابية (Youth bulg ) الباحثة عن العمل ولقمة العيش والكرامة. كما نسي أيضاً أن العالم تغيّر بعد ثورات الربيع العربي، ولم يعد التحالف التاريخي بين وكالة المخابرات الأميركية (السي. أي. آي) وبين النخب الديكتاتورية كافياً للحفاظ على النظام والسلطة.
الرئيس السوري الشاب يعيش فعلاً في حالة سايكولوجية منغلقة على ماضٍ يستحيل إحياءه.ولذا، فهو، وعلى رغم خسارته لثلاثة أرباع الأرض السورية وعلى رغم تراقص الوطن السوري نفسه على شفير الهاوية، لايزال يتصرف وكأن لحظة انتظار أبيه العام 1982 آتية لامحالة.
وهكذا، الأسد الآن هو السياسي المخطيء، في الزمان المخطيء، والمكان المخطيء.
في الأردن، نحن أمام نموذج آخر لايقل تعقيدا.
فالملك عبد الله الثاني، وبدلاً من تحصين المجتمع الأردني عبر الإصلاحات السياسية الحقة كي يعبر بسفينة الأردن مضائق التسوناميات العربية الصاخبة، عمد مؤخراً إلى فتح النار على الجميع: من قادة مصر وتركيا وسورية، إلى أعضاء أسرته الحاكمة، وأجهزة مخابراته، وطال الأمر حتى العشائر التي تشكل الضمانة الأولى والأخيرة لنظامه.
لا أحد عرف سبب هذا التخبط الغريب والمغالي في "لاسياسيته". لكنه على أي حال يشير إلى أحد أمرين: إما أن الملك ليس قادراً على ركوب الامواج الإقليمية العاتية الحالية، فربما قرر أن يمهّد للخروج من السلطة (ربما لصالح شقيقه حمزة)، أو أنه يتشبَّه بالمالكي في مجال سوء الحسابات وكالأسد في غيبوبته الزمنية.  وكلا الاحتمالين يتنافسن على مستوى درجة السوء.
في لبنان، قد لايبدو حسن نصر الله، الحاكم الفعلي حالياً للبلاد، في موقع مقارنة مع القادة الثلاثة سالفي الذكر، بسبب تمسكه بمبدأ التوازنات وتجنّب الانفجارات الكبرى بأي ثمن.
بيد أن هذه السياسة الحصيفة بدأت تبدو أكثر فأكثر حصيفة على الورق فقط لا على أرض الواقع.
صحيح أن نصر الله دعم سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية. لكن الصحيح أيضاً أنه بدأ يرتكب خطايا استراتيجية كبرى، ليس فقط لأنه انغمس بكثافة في الحرب إلى جانب نظام سوري متهاوٍ، بل أولاً وأساساً لأنه لم يتحرك بوصة واحدة نحو التسوية السياسية الوحيدة التي يمكن أن تنأى بلبنان بالفعل عن الكارثة الإقليمية السورية: تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة وجامعة، قادرة وحدها على منع تحوّل التفجيرات الأمنية المتوقعة إلى مجابهات أهلية واسعة.
- III -

ما القاسم المشترك بين هؤلاء القادة الأربعة؟
إنه غياب "الكاريزما" الاستراتيجية- التاريخية، التي كان يفترض أن تدفعهم إلى العمل كرجال دولة يرون الغابة الكاملة التي تختفي وراء الشجرة: غابة الفتنة الكبرى-2 الشيعية- السنّية التي تعمل الآن العديد من القوى الدولية والإقليمية على إشعال أوارها، ومعها مشاريع تقسيم دول الهلال الخصيب إلى دويلات سنّية وشيعية وعلوية ومسيحية وكردية.. ألخ.
إنه حقاً سوء حظ تاريخي.
سعد محيو
_________________




هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف22/3/13 21:58

    غياب "الكاريزما" الاستراتيجية- التاريخية،

    ردحذف