للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

الانسحاب من العالم "سيدمِّر الاقتصاد الأميركي" (الحلقة الثانية)

(القوة الاميركية في الخليج: أمن مقابل الاقتصاد(الصورة من غوغل

- I -
تحدثنا بالأمس عن المعسكر الأميركي الداعي إلى الانسحاب من العالم (بما في ذلك اسقاط الحماية عن الأسر الحاكمة الخليجية ضد الثورات الداخلية). وسنورد اليوم رد المعسكر الآخر المتمسك بمواصلة استراتيجية "الهمينة الليبرالية" الأميركية على العالم.
منطق أنصار هذا التيار يقوم على التالي:
- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، انتهجت الولايات المتحدة استراتيجية كبرى واحدة: الانخراط العميق في شؤون العالم. فمن أجل حماية أمنها وبحبوحتها، بنت أميركا نظاماً اقتصادياً عالمياً ليبرالياً، وأقامت روابط دفاع وثيقة مع شركاء في أوروبا وشرق آسبا والشرق الأوسط. وهذا توجُّه التزم به كل الرؤساء الأميركيون بلا استثناء.
- لكن الآن، قد تشعر واشنطن بإغراء للتخلي عن هذه الاستراتيجية الكبرى وتنسحب من العالم، بفعل صعود الصين والعجوزات الضخمة في الموازنة والتعب من الحربين المكلفتين في العراق وأفغانستان. لكن هذا سيكون خطأ فادحا: فخفض النفقات الدفاعية على مدى عشر سنوات لن يوفّر على الخزينة سوى 900 مليار دولار. ثم أن ضخامة القوة العسكرية الأميركية منعت بروز أي دولة كبرى تطمح إلى موازنتها، وهي قوة لاتكلف أميركا سوى 4،5 بالمئة من الانتاج المحلي الإجمالي، هذا في حين أن الاتحاد السوفيييتي كان يصرف على الدفاع 25 في المئة من الانتاج المحلي الإجمالي، الأمر الذي أدى إلى إفلاسه ومن ثم انهياره.
- من دون استمرار الزعامة العالمية الأميركية، ستتحول العديد من الدول، منها كوريا الجنوبية وتايوان واليابان في آسيا ومصر والسعودية وتركيا في الشرق الأوسط إلى قوى نووية، وسيصبح الاتحاد الأوروبي عاجزاً عن الدفاع عن نفسه في مواجهة روسيا والشرق الإسلامي.
- II -

- لكن الأهم من كل هذه العوامل، برأي أنصار استمرار الهيمنة الليبرالية الأميركية، هو الرابط الوثيق بين السيطرة العسكرية لأميركا وبين هيمنتها الاقتصادية.
فالاستراتيجية الاميركية الراهنة تحافظ على النظام الاقتصادي العالمي الذي أقامته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية والذي يخدم إلى حد كبير مصالحها الاقتصادية القومية. وهكذا فإن السيطرة العسكرية هي في أساس الزعامة الاقتصادية الأميركية للعالم. وفي حال سحبت اميركا وجودها العسكري من معظم المناطق، فسيكون من الصعب عليها للغاية إقناع القوى الدولية الأخرى برعاية المصالح الاقتصادية الاميركية. والحال أن الدور العالمي يسمح لأميركا أن تشكّل الاقتصاد العالمي كما ترغب وتشتهي، ويساعدها على الدفاع عن الدولار كعملة الاحتياط الرئيسة في العالم، الأمر الذي يوفَّر للبلاد مزايا ضخمة على رأسها قدرتها على استدانة المال بسهولة.
- كل هذا لايعني أنه لا يمكن، أو يجب، تعديل الاستراتيجية الكبرى كلما تطلبت الظروف ذلك. وهذا، على أي حال، مافعله الرئيس نيكسون مثلاً حين سحب اميركا من فييتنام وعوّض عن ذلك بضم الصين إليه في معركته ضد الاتحاد السوفييتي. وهذا يوضح ان التعديل ممكن من دون المس بجوهر الاستراتيجية الكبرى الخاصة بالزعامة الأميركية للعالم.
- III -

هذه باختصار الخلاصات العامة للتيار الأميركي الداعي إلى عدم تقليص الالتزامات الأميركية في العالم، وإلى مواصلة استراتيجية ما يسمونه "الهيمنة الليبرالية".
وكما يتضح من هذه المعطيات، منطق هذا التيار يبدأ وينتهي بفكرة رئيسة واحدة: استمرار الازدهار الاقتصادي الأميركي لم يعد ممكناً من دون استمرار الهيمنة العسكرية الأميركية على العالم: اسحب القوات والالتزامات الأمنية لحلفاء أميركا، تنهار دعائم الاقتصاد.
أي تقف إدارة أوباما في هذا التجاذب العنيف في الداخل بين تياري "التراجع" و"التقدم" الأميركي في العالم؟
(غدا حلقة ثالثة)
سعد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق