للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 18 فبراير 2013

لماذا يجب أن تتراجع أميركا في العالم؟ (الحلقة الأولى)


- I -
أميركا، كما أشرنا بالأمس في هذه الزاوية، منقسمة إلى معسكرين: الأول، يدعو إلى التمسُّك بالاستراتيجية الكبرى الراهنة، الهادفة إلى مواصلة "الهيمنة الليبرالية" الاقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم، والثانية تحذّر من أن الوقت أزف للتخلي عن هذه الاستراتيجية وتقليص الدور الأميركي  إلى حد كبير في الشؤون الدولية.
القوة العسكرية الأميركية : إلى الوراء در؟ (الصورة من غوغل

سنأتي إلى رأي المعسكر الأول في الحلقة التالية من هذه السلسلة. لكن، فبما أن هذا التيار يكرر مقولات سابقة (ومطبقة أصلاً في السياسة الخارجية الأميركية حاليا)، يستحسن أن نبدأ بالمعسكر الثاني.
يمكن تلخيص وجهة نظر هذا الفريق في النقاط التالية:
- استراتيجية الهيمنة الليبرالية الشاملة على العالم غير منضبطة، ومكلفة، ودموية، وهي تخلق أعداء بالقدر نفسه الذي تقتلهم فيه. كما أنها تثبط عزيمة ورغبة الحلفاء في تحمُّل أكلاف الدفاع عن أنفسهم، كما تحفز الدول القومية الأخرى على التجمع في جبهة واحدة ضد أميركا.
- على رغم أن القوة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة انخفضت إلى حد كبير خلال العقد الماضي، إلا أن البنتاغون لايزال يحصد الأموال الطائلة والاعتمادات الهائلة. وهذا أمر لم يعد قابلاً الآن للاستمرار، لأنه يضع الولايات المتحدة تحت رحمة خطر التمدد الاستراتيجي الزائد الذي كان العامل الأساس في تقويض كل الامبراطوريات السابقة في التاريخ.
- آن الأوان للتخلي عن استراتيجية الهيمنة الأميركية واستبدالها باستراتيجية ضبط النفس. وهذا يعني التخلي عن السعي وراء الإصلاح العالمي والاكتفاء بالعمل على حماية المصالح القومية الأميركية الضيقة، وكذلك تقليص عديد وعداد الجيش الأميركي والتخلي عن بعض القواعد العسكرية في أنحاء العالم، وتحميل الحلفاء أكلاف الدفاع عن أنفسهم.
- II -

هذه الاستراتيجية البديلة المنضبطة، التي لاتعني بالضرورة عودة الولايات المتحدة إلى عزلتها التاريخية، يجب أن تستند فقط إلى ثلاثة ركائز لاغير:
أولاً، منع بروز منافس قوي يقلب موازين القوى العالمية الراهنة. وهذا، على أي حال، ماكانت تفعله الولايات المتحدة منذ قرن من الزمن وحتى الآن. فالاستراتيجيون الأميركيون جهدوا كي يضمنوا بألا تسيطر دولة واحدة على الكتلة البرية لقارة أوراسيا، لأن هذه الدولة ستمتلك حينئذ الموارد الكافية لتشكِّل خطر على أميركا. وهكذا فقد خاضت الولايات المتحدة حرباَ ساخنة مع ألمانيا واليابان واخرى باردة مع الاتحاد السوفييتي لمنعها من أن تكون هي هذا الخطر. لكن، على رغم أن الصين قد تحاول لعب دور المهمين في أوراسيا، إلا أن هذا ليس وشيكاً ولا هو حتى حتمي.
ثانيا، مواصلة القتال ضد الإرهابيين. يتعيّن على الولايات المتحدة أن تحمي نفسها من تنظيم القاعدة وأشباهه. لكن هؤلاء ضعفاء للغاية ولا يشكلون أي تهديد لسيادة أميركا ووحدة أراضيها أو مواقع قوتها. وبالتالي، تستطيع أميركا ان تقاتلهم بقوة متكافئة لقوتهم وليس بشن الحروب أو بالعمل على بناء الأمم كما يحدث الآن في أفغانستان. وهذا يمكن ان يتم من خلال تكثيف العمل الاستخباري، ومطاردة الإرهابيين في الخارج، ومواصلة التعاون مع الحكومات الضعيفة الأخرى ودعمها بالتدريب والتسليح، إضافة إلى شن العمليات الخاصة وغارات الدرونز (الطائرات من دون طيار).
ثالثا، وأخيرا، يجب على الاستراتيجية المنضبطة أن تهتم عن كثب بمنع انتشار الأسلحة النووية، لكن مع الاعتماد بشكل أقل على التهديد باستخدام القوة العسكرية لمنع هذا الانتشار، وبشكل أكبر على الردع، إلا إذا ماتطلب الأمر هجوماً عسكرياً وقائيا.
- III -

هكذا يرى أنصار الاستراتيجية المنضبطة إلى الدور الأميركي في العالم. وكما هو واضح، ليست هذه الرؤية إعادة إنتاج للنزعة الانعزالية الأميركية التاريخية، بل هي دعوة تنطلق من القلق من أن إمكانات أميركا الاقتصادية لم تعد متطابقة مع طموحاتها الاستراتيجية التي باتت تنافسها عليها قوى أخرى دولية صاعدة.
وهذا رأي اعترف به تقرير "الاتجاهات العالمية 2030" الذي وضعته مؤخراً 16 وكالة مخابرات أميركية وجاء فيه أنه "مع الصعود السريع لبلدان أخرى، فأن "لحظة القطبية الوحيدة" الأميركي قد ولَّت، كما أن الباكس أميركانا، وهي الحقبة التي شهدت الصعود الأميركي إلى قمرة القيادة العالمية غداة الحرب العالمية الثانية، يتبدد سريعا".
كما يؤيد هذا الرأي أيضاً الحقيقة بأن السلطة العالمية باتت تتوزع الآن بين قوى صاعدة جديدة، جنباً إلى جنب مع القوة الأميركية. وهذه القوى لاتوجد فقط في مجموعة "البريك" (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) بل أيضاً في مجموعة "المينتس" ( المكسيك، إندونيسيا، نيجيريا، وتركيا).
وبالتالي، سيكون على الولايات المتحدة برأي أنصار الاستراتيجية المنضبطة، أن تتراجع الآن إلى مواقع جديدة أكثر تواضعاً وواقعية، وإلا  ستُجبر بعد حين على التأقلم فجأة وبشكل مؤلم وكارثي، وخطير (على حد تعبير البروفسور باري بوسن، مدير دراسات الأمن في مؤسسة ماسشوستس للتكنولوجيا).
ما رد أنصار نظرية "الهيمنة الليبرالية" على أصحاب استراتيجية  ضبط النفس؟
(غدا حلقة ثانية)

سعد محيو


هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف18/2/13 11:47

    Our main Concerns Why the Americans Embassy Has that Much Number of Employees in Lebanon and interfering in every small Internal issues in the Progression of our Country beside the Safety of Israel and Supporting the Christians

    ردحذف