للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 30 يناير 2013

انقلابات على جبهتي "الجهاد" و"الحروب الصليبية"


الجهاد والحروب الصليبية: انقلاب المفاهيم( اللوحة من غوغل


- I -

ثمة تحوّل كبير طرأ على مفهوم "الجهاد" الإسلامي ( وكذلك على مفهوم الحروب الصليبية الغربي، كما سنرى بعد قليل)، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، يكمن في تحوّل الجهاديين من مقاتلة الأجانب أساساً إلى قتال أبناء جلدتهم المسلمين.
هذه الظاهرة واضحة في كل مكان: من القاعدة في المغرب الإسلامي إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ومن الجهاديين السلفيين في سورية والعراق إلى زملائهم في أفغانستان وباكستان وجنوب شرق آسيا.
السبب الرئيس لهذه النقلة هو بروز "فرص عمل" للتطرف الأصولي في الدول التي تتضعضع فيه سلطة الدولة بفعل الثورات. لكن يبدو أن هناك سبباً آخر لايقل أهمية
يكمن في التغيّر الذي بدأ يطرأ مؤخراً في كل من العالمين الإسلامي والغربي على مفهومي الجهاد والحروب الصليبية، اللذين يعتبران السبب الرئيس لـ" صدام الحضارات"، واللذين ارتديا على مدى 1300 سنة مصطلحات تعج بالسلبيات.
من أوائل من بادر إلى تعديل معنى تعبير " الجهاد "، كان الكاتب الأميركي بنجامين باربر . قال ،  في كتابه " الجهاد ضد ماكوورلد "   
" Jihad vs Mcworld : terrorism's challenge to democracy
 أن ما يعنيه بتعبير الجهاد هو " الصدام بين قوى التفكك القبلي والأصولية الرجعية التي اطلقت عليها إسم الجهاد ( الأسلام هنا لاعلاقة له بذلكـ على حد قوله ) وبين قوى التحديث  المتطرفة والعدوانية والعولمة الثقافية التي أطلقت عليها إسم ماكوورلد ".
باربر وفق هذا المفهوم يضع المحافظين الجدد، جنباً إلى جنب مع أصوليين مسيحيين اميركيين مثل جيري فولويل، في الخانة نفسها التي يضع فيها " الجهاديين ". وهذا بالطبع يبرؤه كلياً من تهمة الدعوة إلى صدام الحضارات التي يدينها هو  أصلاً بشدة بوصفها " تقليداً ممسوخاً للّغة الخلاصية لأسامة بن لادن التي تدعو بالتحديد  إلى مثل هذه الحرب ".
 لكن ، وعلى رغم ذلك، لا يمكن للمتطرفين العنفيين إلا ان يرحبوا بهذه التسمية بسبب المضامين المفاهيمية والتاريخية المرتبطة بها.
اما إصطلاح الحرب الصليبية، فقلة من الغرب تعي ما يثيره إستخدام هذا  التعبير إيجابياً في الغرب من خيالات دموية جامحة في الذهن الشرقي الأسلامي. من هذه القلة الكاتبة البريطانية  كارين أرمسترونغ التي كانت راهبة، والتي كتبت في مقدمة  كتابها المثير  الحرب المقدسة "   Holy war ) ): " .. وأنا أعرف أنه خلال هذه الحروب المقدسة، كان المسيحيون قد أهرقوا الكثير من دماء المسلمين. وهذا كان أمراً وحشياً وشريراً وجامحاً. لقد كنت أفترض أنه في  عصرنا المتنور تقدمنا إلى ما بعد مثل هذه البربرية القاسية ، لكن ألاحظ  كم نستخدم مراراً تعبير " الحرب الصليبية "  في إطار مضمون إيجابي " .
وبعدها تصل أرمسترونغ إلى سؤال وجودي- ثقافي مثير : " هل يمكن أن فكرة الحرب الصليبية ، وعلى رغم كل إداناتنا للحروب المقدسة القروسطية،  تجد قبولاً ما على مستوى ما من  عقولنا ؟ " .
- II -

حسناً . هذا سؤال يجب أن يجيب عليه الغربيون أنفسهم . لكن في الشرق، وخارج إطار دوائر الأصوليات الأسلامية المتطرفة وداخل التيار الأسلامي العام ، يبدو أنه حدثت بالفعل نقلة نوعية كبرى حيال مفهوم " الجهاد " لم تقابلها خطوة مماثلة في الغرب حيال مفهوم الحرب الصليبية . نقلة تجّرد عملياً " الجهاد " من بعده العسكري او العنفي وتضعه في مجال الفضاء الروحي او الاجتماعي، مُسقطة بذلك ثنائية الجهاد- الحروب الصليبية التي دشنت رسمياً في 25 تشرين الثاني 1095 حين إستدعى البابا أوربان الثاني في مؤتمر كليرمونت أول حملة صليبية ضد الشرق.
لا بل أكثر : ثمة قادة إسلاميون بارزون كالعلامة الراحل محمد حسين فضل الله ، يعتبر أن " الجهاد قد إنتهى ". يقول: " مسألة الجهاد او الحروب الصليبية إنطلقت من خلال موازين قوى . والان،  الجهاد الأسلامي إنتهى، وكذلك الحروب الصليبية بمضمونها الديني إنتهت أيضاً . صحيح أن الحروب الصليبية إنطلقت من فتوى بابوية ، لكن الذين إستغلوا هذه الحروب لم ينطلقوا من موقع ديني. هناك الأن حروب صليبية إستكبارية وإستعمارية، كما هناك بين المسلمين من يتحدث بإسم الجهاد لكن ليقاتل المسلمين اكثر من غيرهم ويكفرهم ".
فضل الله يريد من الغرب أن يقنتع بان الجهاد والحرب الصليبية لايجب أن يشكلا عقبة في وجه حوار الحضارات بينه وبين الأسلام . لماذا ؟ " لاننا في العالم الأسلامي نعتبر أن الحروب الصليبية التي وجدت في مرحلة زمنية معينة، إنتهت بكل مفاعيلها ومؤثراتها ، ولم تعد تمثل عقدة لدى المسلمين " .
اما بالنسبة إلى مفهوم  الجهاد  فيعتبر هذا العلامة،  الذي وُضع لفترة على لائحة الأرهاب في الغرب وجرت محاولة في منتصف الثمانينيات لأغتياله بسيارة ملغومة ، أن الغرب " حمّل هذا المفهوم ما لا يحتمل، لان الجهاد في الأسلام بقاعدته الوقائية والدفاعية لايختلف عن أي حرب يثيرها أي فريق في العالم. الأسلام لا يؤمن بالعدوان على الناس ويمنع أتباعه من الاعتداء على المدنيين المسالمين " .
- III -

منطق مقنع ؟ ربما. لكن، هل ثمة من يقتنع به لدى المنظمات  الرئيسة في التيار الرئيس الأسلامي ؟
الرد قد يكون مفاجئاً : نعم . فالأخوان المسلمون في مصر ، وهم أكبر وأوسع تنظيم أصولي إسلامي في العالم، يكررون، على سبيل المثال، القول دوماً أنهم يعتبرون الجهاد ذاتياً ودفاعياً .
 هذه المواقف والمعطيات تشي بأن حوار الحضارات بين الغرب والأسلام ممكن وسهل وواقعي، طالما أنه قادر على الخروج من ورطة ثنائية الجهاد والحروب الصلييبة. وهذا على مستوى الأفكار والمفاهيم كما على  جبهة القلوب والعقول.
لكن ، هل هذا الحوار ممكن أيضاً في مجال الأستراتيجيات ؟.
هنا قد تبدو الصعوبات كبيرة ، بسبب التظلمات الكبيرة التي يبديها العالم العربي- الأسلامي من السياسات الغربية .
يقول  د. أحمد موصللي ، أستاذ التاريخ في الجامعة الاميركية في بيروت والمتخصص بدراسة حزب الله الشيعي وجماعات إسلامية سنّية، : " ثمة خلل في التوازن بين الحضارتين الأسلامية والغربية، سببه عدم التوافق على مفهوم الحوار. فكلمات الرئيس الاميركي السابق بوش بأنه " من لا يقف معنا فهو ضدنا "، تعني أنه لامجال للحوار. وإذا تصادف ونشأ حوار، سيكون مبتوراً لان شروطه الموضوعية غير متكافئة  بل وغير موجودة  ".
وثمة نقطة اخرى يلحظها موصللي : العالم الأسلامي مبعثر ولايزال يبحث عن ذاته من خلال نظارات غربية. فكيف يمكن ، والحال هذه ، أن ينشأ حوار حضارات مثمر ؟ .
هذه المعطيات تعني أن ثمة ضياعاً سياسياً وإستراتيجياً ومصلحياً على ضفاف الشرق الأوسط الكبير. وعلى رغم ان هذا الضياع مفصول حتى الان  عن صدام الحضارات وحروبها، إلا ان إستمراره قد يقود في لحظة ما إلى تحقيق نبوءة ( والبعض يقول رغبة ) برنارد لويس وتلميذه صموئيل هانتينغتون في  التشابك بين ما هو إستراتيجي وما هو حضاري ، وبالتالي إلى  إندلاع حروب الجهاد والحملات الصليبية ، مجدداً .
لكن من الآن وحتى أمد غير منظور، يبدو أن مفهوم الجهاد سيكون محصوراً في جماعات التطرف الأصولي وسيقتصر في برامجهم الجديدة على قتال "الكفار المحليين". وهذا سيكون انتصاراً مجلجلاً للرئيس الأميركي السابق بوش الذي أعلن العام 2002: "إننا سننقل الحرب إلى عقر دار العدو في العالم الإسلامي".

سعد محيو
___________________________________________________



 

                                                                                                             


 


  





















هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف30/1/13 12:53

    "إننا سننقل الحرب إلى عقر دار العدو في العالم الإسلامي".

    ردحذف