للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الخميس، 3 يناير 2013

النور نوران، والسلفيون أسلاف، والسياسة تبتلع الإديولوجيا



- I -
أول الغيث قطرة.
وهذه القطرة تجسَّدت في الانشقاق الكبير الذي حدث مؤخراُ في حزب النور السلفي المصري، وهي ستتحوّل حتماً (وقريباً على الأرجح) إلى سيل دافق قد يغيّر العديد من معالم السياسة الداخلية المصرية.
لماذا هذا التحوُّل الحتمي؟

-صراعات داخل النور- الصورة من غوغل

ببساطة، لأن أحزاب الإسلام السياسي في المعارضة تتدثر بالإديولوجيا الدينية، وتتحصن بالمساجد والتكايا، فلا تكون مضطرة للتطرق إلى مشاكل هذه الدنيا الفانية، ولايتطلب منها أنصارها أصلاً مثل هذا التدخل طالما أنها توفّر لهم الحضن الدافىء لأمل آخروي.
"الإسلام هو الحل" هنا يكون حلاً  سايكولوجياً حقيقياً، طالما أنه يبقى في علم الغيب أو الخيال، وطالما أنه يقتصر في أحسن أحواله على التعاضد والتضامن والإحسان المحدود بين إخوة الإيمان.
لكن، حين تنغمس الأحزاب الإسلامية في السياسة، ناهيك بالسلطتين السياسية والاقتصادية، يبرز إلى الوجود عالم مختلف تماما عن عالم التكايا والمعازل: عالم تدخل على خطه بقوة المصالح الفردية والطموحات الشخصية لقادة هذه الحركات، فتتبخر فجأة هالات التقوى والإيمان وحتى القداسة عن وجوههم، ويتحولون إلى بشر عاديين يتقاسمون مع هؤلاء الأخيرين كل موبقات جنس الأنسان الخاصة بالطمع والجشع والأنانية.
وعلى الصعيد العام، تكون الاحزاب الإسلامية في المجتمعات الديمقراطية مضطرة على نحو متزايد لكنس إديولوجيتها تحت سجادة المصالح السياسية، ولإعطاء الأولوية للتحالفات المصلحية السياسية على ماعداها، إذا ما أرادت ألا تخسر معركة التنافس على صناديق الاقتراع.
هذا بالتحديد ما حدث للأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا القرن التاسع عشر، حين بدأت هذه كحركات دينية- إديولوجية رافضة لكل مبدأ الديمقراطية الدنيوية وتداول السلطة والتحالف مع قوى علمانية، لكنها سرعان ما وجدت نفسها مضطرة إلى تناسي الطموحات الآخروية حين بدت السلطة السياسية دانية القطاف بالنسبة إليها.
وهذا مابدأ يحدث الآن للأحزاب الإسلامية السياسية العربية، وماحدث قبلها للأحزاب الإسلامية التركية.
- II -

حزب النور أصبح نورين بعد أن انشق عنه زعيمه عماد عبد الغفور مع آخرين، وأسسوا حزباً جديداً هو حزب الوطن بالتعاون مع الداعية التلفزيوني الناري والمرشح السابق للرئاسة حازم أبو إسماعيل.
أما لماذا الانشقاق، فيجب البحث عنه في "الصراع على السلطة" بين قادة النور قبل أي شيء آخر، هذا على رغم أن قادة الحزب يقولون أن السبب هو تحبيذ عبد الغفور  للديمقراطية على النمط الغربي وإعجابه بالنموذج التركي للحوكمة الاسلامية المعتدلة والمتصالحة مع الدولة العلمانية. أما عبد الغفور وجماعته فيقولون أن دافع الانشقاق هو جمود حزب النور ورفضه إقامة تحالفات مع قوى أخرى.
وهذا يعني في كلا الحالين أن الانشقاق له حاضنة قانونية واحدة: السياسة ومصالحها، ومعها الانتخابات المقررة بعد شهرين من الآن، حيث سيتنافس "النوران" الآن على الأصوات نفسها، وبالشعارات الأسلاميوية نفسها.
بيد أن الأمر لن يقتصر على حزب النور. فهذا الأخير يتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها تقف وراء هذا الانشقاق، وهو واثق من اتهامه هذا. وإذا ماوضعنا في الاعتبار أن الجماعة ستكون هي نفسها عرضة إلى الانشقاات في وقت غير بعيد، بسبب التناقض الذي سيكون عميقاً بين شعاراتها الإسلاموية وبين حلولها الاقتصادية التي ستكون (كما يبدو من اتفاقها مع صندوق النقد الدولي) مستندة إلى "إجماع واشنطن" القائم بدوره على الليبرالية الرأسمالية المتطرفة، فإن حزب النور سيكون في موقع قد يمكنه من جذب سلفيي الإخوان إليه ودفعهم إلى الانشقاق.
وهذا من شأنه تدشين حروب انشقاقات في الصف الإسلامي، ستشبه إلى حد كبير الانشقاقات التي شهدتها الحركات اليسارية في حقبة الخمسينيات والستينيات حين ارتطمت إديولوجياتها الماركسية المثالية بواقع المصالح السياسية والفردية.
- III -
أول الغيث، إذا، قد يصبح بالفعل سيلاً بعد حين.
وهذا في الواقع من طبيعة الأشياء.
فحين تنزل السماء إلى الأرض، تصبح اليد العليا لقوانين الطبيعة لا للمثل العليا المُتخيلة. وكما قال ابن خلدون عن حق:
 "إذا ما تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم وكأنه ولد من جديد".

سعد


هناك تعليق واحد: