للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الخميس، 20 ديسمبر 2012

المشروع البشري أمام الخيار النهائي: إما الترقي أو الانقراض



الخيارات أملم البشر باتت محدودة- الصور من غوغل


- I -
كيف، إذا، يرى أمين معلوف المخرج من الجنون الانتحاري في المغامرة البشرية؟
إنه يراه في الثقافة والتعليم، اللتين برأيه يجب أن  تعيدا قولبة الوعي البشري. لكن هذا لايعني أن كاتبنا يغفل أهمية مروحة أخرى من العوامل الضرورية للحل. يقول:
"يجب أن نغرس في الأذهان رؤية مغايرة تماما للسياسة والاقتصاد والعمل والاستهلاك والعلم والتكنولوجيا والتقدم والهوية والثقافة والدين والتاريخ؛ رؤية راشدة أخيراً لما نحن ولما هم الآخرون وللكوكب الذين نحن شركاء فيه. ينبغي لنا أن نخترع مفهوماً جديدا للعالم لايكون مجرد ترجمة عصرية لأفكارنا المسبقة القديمة، ويسمح لنا بابعاد خطر التقهقر الذي يظهر في الأفق الآن. هذا مشروع انقاذي يجب أن يُنفّذ بحكمة، ولكن بغضب أيضا". (*)
- II -

كلام جميل؟
أجل. لكنه عام للغاية أيضا.
فخطر الانقراض الذي تتعرض إليه المغامرة البشرية، ومعها الحياة نفسها على كوكب الأرض، في حاجة إلى خريطة طريق واضحة تشمل تحقيق جملة ثورات دفعة واحدة، في إطار ثورة وعي كبرى واحدة:
- ثورة حقيقية على مستويين في الاقتصاد: الأول، وقف الركض وراء هاجس النمو الاقتصادي، (لابل يدعو بعض العلماء إلى جعل هذا النمو صفراً) لأن بيئة الكوكب وتوازناتها لم تعد قادرة على مصافحة "اليد الخفية" لسوق منفلتة من عقالها. والثاني، هو التوصل إلى إجماع جديد يحل مكان إجماع واشنطن الاقتصادي الليبرالي المتطرف، ويحدد النظام الاقتصادي الأفضل للبشرية (الاشتراكية الديمقراطية الاسكندينافية على سبيل المثال).
- ثورة عولمة بديلة، ترتكز على التضامن والعدالة الاجتماعية، بدل التنافس القاتل الراهن، وتسفر في خاتمة المطاف عن ولادة نظام عالمي جديد تقوده حكومة عالمية عادلة وديمقراطية.
- ثورة بيئية تقوم على التصالح مع أمنا الطبيعة، وتعمل ليس فقط على وقف الاحتباس الاحتراري والحد من غازات الحبيسة والتلوث، بل أيضاً على إعادة اكتشاف الوحدة العميقة بين البشر وبين كل المخلوقات، واحترام هذه الوحدة وتعزيزها.
- ثورة في مفهوم العلم والتكنولوجيا تنقلهما من وضعهما "المحايد" الراهن، حيث يمكن أن تكونا في آن أداة خير وعطاء وأداة شر ودمار، كي تصبحا في خدمة البيئة والتطور الأخلاقي للبشر. وهذا يتطلب، أول ما يتطلب فك عرى سيطرة الشركات العملاقة ومتعددة الجنسيات على كل مفاتيح العلم والتكنولوجيا.
- وأخيراً، ثورة روحية- أخلاقية تًعلن الحرب على أكبر وباء ضرب التجربة البشرية: الأنا الأنانية ( Ego)، وتعيد توحّد الفرد مع الكون، وتُجسِّد الكون كله في الفرد.
- III -

لوهلة، قد يبدو أن خريطة الطريق هذه لاتؤدي إلى أي طريق، بسبب تشعُّب أهدافها، وضخامة العقبات الكأداء التي تعترض طريقها، وصعوبة توفير القوى الاجتماعية القادرة على حملها.
لكن الأمر ليس على هذا النحو.
فقد شهد العالم خلال العقود الأخيرة صحوات كبرى متلاحقة في كل المجالات التي أشرنا إليها أعلاه: في تنامي الوعي بين أبرز علماء الاقتصاد حول الحاجة إلى وضع النمو الاقتصادي في إطاره البيئي السليم؛ في ظهور حركات عالمية قوية تطالب بعولمة بديلة وبنظام اقتصادي يقوم على التضامن والعدالة الاجتماعية؛ في صحوة روحية كاسحة تتجسد بـ"غزو" الفلسفات الروحية الشرقية، البوذية والتاوية والفيديوية والصوفية الإسلامية واليهودية، لمساحات شاسعة من الحضارة والفكر الغربيين. وبالطبع، في بروز قوة الحركات البيئية في كل أنحاء العالم.
ما هو مطلوب لتحويل هذه الثورات المتفرقة إلى ثورة كبرى واحدة، هو مبادرة تاريخية توحّد صفوف القوى المنتمية إليها في إطار نظرية شاملة واحدة، وتخلق منها قوة سياسية - استراتيجية تقوم بتأسيس موازين قوى جديدة في العالم بين ما يسميه معلوف رؤيتين للعالم:
1-  رؤية بشرية موزعة بين قبائل عالمية تتقاتل وتتبادل البغضاء، لكنها بفعل العولمة تتغذى أكثر فأكثر يومياً بحساء ثقافي واحد غير متمايز.2
- رؤية بشرية مدركة لمصيرها المشترك، ومجتمعة بالتالي حول قيم أساسية واحدة، إلا أنها تثابر أكثر من أي وقت مضى على تنمية التعابير الثقافية الأكثر تنوعاً والأكثر غزارة، محافظة على كل لغاتها وتقاليدها الفنية وتقنياتها وحساسيتها وذاكرتها ومعرفتها. فهناك من جهة، إذاَ، حضارات عدة تتجابه إلا أنها على الصعيد الثقافي تتحاكى وتتنمط، ومن جهة أخرى حضارة إنسانية واحدة إلا أنها تنتشر عبر تنوع لانهاية له. واختيار السيناريو الثاني يتطلب منا صحوة تاريخية شاملة.
لكن، هل نحن مستعدون لمثل هذه الصحوة؟
هذا لم يعد خياراً بل ضرورة الآن، بعد أن باتت المغامرة البشرية تقف على مفترق طرق نهائي يقودها إما إلى الهاوية والنهايات الانقراضية، أو إلى السمو والترقي المستندين إلى الحكمة والتوازن.

سعد
( *)أمين معلوف: اختلال العالم (دار الفارابي- الطبعة الأولى، 2009- ترجمة ميشال كرم)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق