للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

ندوة الإمارات والأخوان: الفجوة تتعمَّق



- I -
الندوة التي عقدتها "البي.بي. سي" أمس الثلاثاء، في إطار برنامج "نقطة حوار"، كشفت عن تفاقم الهوة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين دولة الإمارات وربما كل دول الخليج (ماعدا قطر).
وهي فجوة تعج على مايبدو بجمهور لجب من"أفاعي" الشك و"عقارب" المخاوف المتبادلة.

الاسلام هو \الحل.. في منطقة الخليج أيضا؟ (الصورة من غوغل)

صحيح أن "الود الإيديولوجي" لم يكن عملة وفيرة بين الطرفين طيلة تعاونهما المشترك المديد الذي ناهز السبعين عاماً، إلأ أن "الود المالي والسياسي" لم يغب يوماً عن أفق علاقاتهما. فالإخوان تلقوا منذ زيارات مؤسسهم حسن البنا المتكررة إلى السعودية في الأربعينيات، كل الدعم عداً ونقدا، وكل الحماية السياسية، طالما أنهم كانوا في معارضة خصوم المملكة وبعض الأسر الخليجية الحاكمة، خاصة منهم الحركة القومية الناصرية.
لكن الصورة انقلبت رأساً على عقب الآن. فالاخوان باتوا الشاة السوداء في منطقة الخليج، بعد أن وصلوا إلى السلطة في مصر (قلب المنطقة العربية) وتونس (قلب الربيع العربي)، ولايزال الحبل على الجرار. وهم يرفعون شعار تسييس الإسلام وأسلمة السياسة، الأمر الذي لايستسيغه قادة الخليج على الإطلاق.
والأخطر من ذلك أن الإخوان أبرموا على مايبدو صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، التي يفترض أن تكون الدرع الأول والأخير لحماية أنظمة الخليج. وهي صفقة قد يثبت بعد حين (إذا مارسَّخ الأخوان سلطتهم في مصر) أنها ستنسف الصفقة الكبرى التاريخية التي أبرمها الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي رزوفلت في 22 كانون الثاني/يناير العام 1945 على متن الطراد الحربي الأميركي "كوينسي" في منطقة البحيرات المرّة الواقعة بين بور سعيد والسويس، والتي أرست دعائم النظام الإقليمي الأميركي- السعودي حتى العام 2001 حين وقعت أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
عناصر الصفقة الجديدة واضحة: اندراج الأخوان في صف الإصلاحات السياسية الديمقراطية، ومكافحة التطرف الإسلامي، وحماية المصالح الأميركية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، في مقابل تسهيل وصولهم إلى السلطة ثم الحفاظ عليها.

- II -
بالطبع، يحق للسعودية وبقية دول الخليج أن تشعر بالقلق من هذه الصفقة، ليس بسبب بنودها المتعلقة بالتطرف والمصالح الأميركية والإسرائيلية، بل في شقها الديمقراطي. إذ ان هذا سيعطي زخماً غير مسبوق للصيغة التي يطرحها الإخوان للإسلام المسيّس، والتي تتناقض حرفاً بحرف مع إسلام دول الخليج القائم على الفصل بين السياسة التي تحتكرها الأسر الحاكمة باسم "الطاعة لأولي الأمر وعدم الخروج على الحاكم"، وبين المؤسسة الدينية التي تمنحها الأسر الحاكمة حق الرقابة على المجتمع، بالطبع شريطة أن يكون هذا لصالحها.
هذان النمطان من الإسلام السياسي متناقضان وأشبه بخطين متوازيين لايلتقيان. وقد طفا هذا التناقض على السطح منذ أن خرج الإخوان من غياهب السجون والمنافي إلى قصور السلطة، وشعروا بالقوة والتمكين في كل المنطقة، بما في ذلك الملكيات العربية من المغرب إلى الأردن، ومن الكويت (كما تدل الآن المظاهرات فيها) إلى الرياض مروراً بأبو ظبي. وهو يتزعمون حالياً ليس فقط الحملة من أجل الإصلاح السياسي والديمقراطي والاقتصادي (التوزيع العادل للثروات) بل أيضاً من أجل "وحدة الأمة الإسلامية" واستقلالها. أي أنهم، عملياً، يقولون للملكة السعودية ودول الخليج: وقتكم انتهى، وجاء زمننا.

- III -
هذه المعطيات كانت جلية في ندوة "البي.بي. سي". وقد عبّر عنها بوضوح شديد المفكر والصديق د. محمد المطوع الذي استحضر كل الشكوك السرية والعلنية المحيطة بأجندات  الأخوان وسلّط عليها أسلحته التاريخية اليسارية والليبرالية كي يفسِّر أسباب صعوبة ردم الهوة المتوسعة باطراد معهم: فهم، برأيه، ينفذون منذ العام 1928 سياسات تخدم السيطرة الغربية على المنطقة. وهم ينادون بالحوار علناً مع من يكفرونهم سرا. وهم قاتلوا في أفغانستان ويتدربون ويتسلّحون، فيما يرفعون شعار رفض الخروج على حكام الإمارات أو إطاحة النظام.
المثير هنا أن الأطراف المحاورة في الندوة باسم حركة الإصلاح الإماراتية وجماعة الأخوان المصرية ردّت بالتركيز على أن الأخوان يتحركون باسم الأمة الإسلامية كلها، وأن السلطات تستخدم فزاعة الجماعة للتهرب من استحقاق الإصلاحات الديمقراطية. لا بل كاد أحد الإخوان أن يتهم دولة الإمارات نفسها بأنها "صنيعة بريطانية" رداً على اتهامات المطوع للاخوان بأنهم تواطأوا منذ وقت مبكر مع الاستعمار البريطاني.
كيف يمكن، والحالة هذه، أن يكون ثمة حوار بين الطرفين؟
المسألة الآن تجاوزت التواصل الفكري والسياسي لتطرح السؤال الأهم: كيف يمكن أن ترد جماعات الإخوان على الحملات العنيفة التي تُشَن عليهم في منطقة الخليج؟
الارجح أنهم سيبذلون جهوداً مكثَّفة لتجنُّب الانجرار إلى مجابهة علنية مع حكومات الخليج على نمط مافعلت مصر الناصرية في الستينيات، وهذا ليس تعففاً بل لقصر ذات اليد مالياً واقتصاديا، وسيكتفون بالنقر من بعيد على العصب الذي يوجع الحكومات: النطق باسم الأمة والإسلام والديمقراطية. وهذا، بالمناسبة، سلاح فتاك في الدول العربية التي تعاني من ضعف الانتماء الوطني وتتمسك بالهوية الإسلامية الجامعة.
ساحة المعركة الحقيقية بين الطرفين ستكون في دول الربيع العربي نفسها، حيث سيدور هناك رحى الصراع حول "أي إسلام نريد" بإشراف كامل من أميركا وبقية المنظومة الغربية، وبمشاركة كاملة أيضاً من دول الخليج عبر دعمها القوى الوهابية والسلفية المناوئة للأخوان. هذا بالطبع إذا لم تنفجر الأوضاع الشعبية في شبه الجزيرة نفسها، كما حدث في اليمن والبحرين وقبلهما (وإن بشكل محدود) في عُمان، وكما قد يحدث الآن في الكويت.
الفجوة، إذا، مُرشَّحة للتعمُّق بين الأخوان وحكومات الخليج. وهذا في حد ذاته سيكون مؤشراً على التغيُّر الكاسح الذي طرأ على طبيعة الصراع في الشرق الأوسط: فهو بات داخل الدار الإسلامية بعد أن كان لفترة طويلة بينها وبين الخارج بكل تلاوينه الإقليمية والدولية.

سعد




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق