للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

كوكب الألماس مجرد نافذة على "أكوان" خارقة ومدهشة




- I -
تساءلنا بالأمس: ما الأبعاد الاقتصادية والفلسفية والوجودية التي يمكن استقاؤها من اكتشاف كوكب الألماس  كانسيري-55 ؟

صورة خيالية للعوالم المتوازية (غوغل)

أول ماقد يخطر على البال، اقتصادياً، قد يكون بمثابة نكتة. إذ في حال تمكّن الإنسان من الوصول إلى كانسيري وبدأ بشحن الألماس منه، ستنهار فوراً القيمة التجارية للألماس على كوكب الأرض وستصبح مرتبته الاقتصادية في مرتبة الزجاج العادي.
لماذا؟
لأن ثمة قاعدة اقتصادية معروفة يقوم على أساسها تقييم السلع (إضافة إلى قاعدة قوة العمل التي اكتشفها كارل ماركس)، هي الندرة. فكلما ازدادت السلعة ندرة كلما علا ثمنها، والعكس صحيح بالطبع. وهكذا، الألماس ثمين ليس فقط لأنه لامع ومتلألىء وجميل وله بعض الاستخدامات الصناعية الدقيقة كما الساعات، بل أولاً لأنه نادر الوجود في طبيعة كوكب الأرض المتكوّنة من الأوكسيجين والسيليكات.
والأمر نفسه ينطبق بالطبع على الذهب والزمرد والياقوت وغيرها من المعادن التبي تعتبر ثمينة لأنها في الدرجة الأولى نادرة.
أين النكتة هنا؟
إنها تكمن في أن احتمال تدفق ألماس كوكب كانسيري على كوكب الأرض،(وهو احتمال بعيد طبعاً في ظل التكنولوجيا الحالية)، سيدفع النساء الثريات إلى التخلي عن الحلي والأساور وأقراط الأذن الماسية، وربما يضعن مكانها حلى من الفجل ونواة الزيتون والعنب المجفف في حال أصبحت المنتوجات البيولوجية من هذه الخضراوات والفاكهة النادرة للغاية، كما هو متوقع الآن.
وبالمثل، إذا ما تم العثور على كميات هائلة من الذهب إلى جانب الألماس في كانسيري، سيكون على المصارف المركزية في العالم استبدال مخزونها من هذا المعدن الأصفر الثمين بأنابيب صغيرة من النفط، لأن هذا النوع من الطاقة وصل إلى ذروة انتاجه في معظم أنحاء العالم وبدأ رحلته السريعة إلى عالم الندرة.
والحال أن مجرد التفكير بمثل هذه التوقعات، التي يمكن واقعية للغاية وفق كل نظريات علم الاقتصاد وقواعده، تكشف بشطحة قلم  كم أن المجتمع البشري يعيش على الأوهام والسخافات ويعتاش بها، فيتباهى الغني باقتناء سلع لاقيمة لها إلا لأن الفقير غير قادر على امتلاكها!
- II -
هذا على الصعيد الاقتصادي. أما على المستوى الفلسفي والوجودي، فأن ولوج البشر إلى عالم الكواكب الماسية والكربونية، يثبت مالم يعد في حاجة إلى إثبات: نحن نعيش في كون يتكوَّن من لغز داخل لغز، وسر داخل سر. ومانراه الآن من هذا الكون، ليس في الواقع سوى رأس جبل جليد هائل مختفٍ تحت سطح البحر.
فالعلماء لا يستبعدون وجود أكوان أخرى موازية لكوننا، تطفو كلها فوق سطح فقاعة هائلة مما يسمونه "الفراغ الحامل"، أي الفراغ أو الخلاء الذي ينبثق منه باستمرار كل وجود.
 العالم البريطاني العربي الأصل جيم الخليلي، الذي نال جائزة مايكل فاراداي للإتصال العلمي، بسَط  نظرية العوالم المتعددة أو المتوازية المعقَدة على النحو الآتي( * ):
-       فيزياء الكم( التي تدرس أصغر ذرات الكون) أثبتت أن الجسيم يمكن ان يكون موجوداً في مكانين في الوقت ذاته، على رغم أن هذا مناف لـ" الحس السليم" البشري. هذا الجسيم لا " يقرر " أي موقع يجب أن يكون عليه إلا حين ننظر إليه أو عندما يجبره ظرف خارجي على ذلك.
-       حين يواجه أي جسيم خيارات متعددة البدائل( كما يحدث فعلاً في الواقع طيلة الوقت)، فهو لايختار بديلاً واحداً، بل كل البدائل مجتمعة. وبعده ينقسم الجسيم ومعه الكون إلى نسخ متعددة من نفسه مساوية للخيارات المتاحة.  حين ننظر إلى هذا الجسيم، تنفصل الأكوان إلى حقائق مستقلة وغير متفاعلة مع بعضها البعض. اما نحن، فلا نرى سوى صيغة واحدة من هذه الأكوان، فيما يرى أشباهنا صيغة أخرى.
-       الفيزيائي في أوكسفورد ديفيد دوتش طوَر هذه النظرية بقوله أن كل الاكوان الممكنة توجد بالفعل في  العالم تحت الذري. وما نراه نحن على أنه حقيقة، ليس سوى لمحة من هذه الحقائق المتعددة.
هل  فهمنا شيئاً؟
ليس كثيراً؟ لا داعي للقلق. حتى كبار العلماء وجدوا صعوبة في قبول هذه النظرية أو حتى في إعتبارها جزءاً من الفرضيات الممكنة فيزيائياً. ألبرت أينشتاين نفسه، الذي يقال أنه إكتشف بعض قوانين فيزياء الكم الغريبة القائمة على الصدفة، تنكَر لها  مُطلقاً جملته الشهيرة: " الله لا يلعب بالنرد".
بيد أن إحتمال إثبات علم الرياضيات لهذه النظرية، سيجبرنا في النهاية ليس فقط على قبول فكرة وجود عوالم متوازية قد تكون لامتناهية، بل أيضاً بأن الفكر هو  الاصل والمادة هي الفرع أو الظل. وهذا أشبه بالظلال في كهف أفلاطون الذي نظنها الحقيقية، فيما هي في الواقع وهم تسببه حقيقة أخرى هي النار المتقدة داخل الكهف.
وإذا ما حدث ذلك، سيكون هذا إنتصاراً مجلجلاً للفلاسفة المثاليين الذين كانوا يجادلون طيلة ثلاثة آلاف سنة بأن الوجود، كل الوجود، هو فكر محض.
- III -
عود على ذي بدء إلى كوكبنا الماسي لنسجّل المفارقة التالية:
بقدر ما تُثبت وفرة الألماس في كانسيري-55 مدى هشاشة (وحتى تفاهة) المباديء الاقتصادية التي تستند إليها حياة الاجتماع البشري، بقدر مايؤدي اكتشاف هذا الكوكب إلى تسليط الضوء على مدى عظمة العلم والاختراقات العلمية.
ويبدو أن بين التفاهة والعظمة، لايوجد سوى خيط رفيع. مجرد خيط رفيع.


سعد
( * ) JIM AL-KHALILI: IN A PARALLEL UNIVERSE, THIS THEORY WOULD MAKE SENSE. GAURDIAM , SATURDAY DEC. 1 2007.
( khalili@surrey.ac.uk)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق