للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

السعودية: محمد فهد القحطاني "بطلٌ بألف وجه"





- I -
في كتابه الجميل " بطل بألف وجه" (The Hero with thousand faces )، يكتشف الكاتب الأميركي الشهير جوزف كامبل، بعد أن يستطلع تاريخ البشرية بعمق، أن الأساطير لدى كل الشعوب واحدة أو لها مصدر واحد. وهي برموزها وأساطيرها، تعتبر البوابة الحقيقية لكلٍ من الحقيقة النهائية والنفس البشرية. ولذا، فهي بطل بألف وجه.

محمد فهد القحطاني - غوغل- 

وفي كتابها الموسوعي "الحرب المقدسة: الصليبيون وتأثيرهم على عالم اليوم"، تكتب كارين أرمسترونغ:" تُرى، لو لم يكن اليهود عبيداً في مصر، هل كان موسى سيصبح نبيا؟".
ما الذي ذكَّرنا الآن بكامبل وأرمسترونغ؟
إنه شخصية فكرية- سياسية سعودية سيكون لها حتماً تأثير كبير، ليس فقط على مستقبل مملكة السعوديين، بل حتى أيضاً على مآلات المنطقة ومصائرها بعد الربيع العربي: البروفسور د. محمد القحطاني.
فهذا الرجل جمع في شخصيته كل مقومات البطل بالمعنى الذي قصده كامبل: التحرُّر من "الأنا" (الإيغو) وتكريس الحياة لـ" تحرير مواطنيه من العبودية"؛ الشجاعة؛ التغلُّب على آفة الخوف (التي هي أسّ الأنا الأنانية)، وثقافة عالية تغذي كل هذه المقومات برؤية تكاد تكون إيمانية لمستقبل مغاير كلياً لوطنه، يستند إلى حقوق الإنسان وكرامته، والحرية، والديمقراطية.
النبي موسى، كما يقول المؤرخون، كان أميراً فرعونياً بالتبنِّي. لكنه خلع عنه رداء الإمارة وقَبِل أن يكون عبداً ثورياً، بهدف تغيير الأمر الواقع وبناء هوية جديدة له ولشعبه. والحال أن كل الأبطال في التاريخ فعلوا ذلك: رجال الدين المسيحيون في قرطبة الأندلسية الذين تقصّدوا رمي أنفسهم إلى التهلكة والاعدامات ليتسخلصوا الهوية الإسبانية من رحم الحكم الإسلامي؛ والفرسان المسلمون الذين قوّضوا بقوة إنكارهم لذواتهم أعتى امبراطورتين في العصر قبل الحديث؛ والشبان العرب الذين رووا بدمائهم أرض مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين (والآن سورية) كي يرووا وردة الربيع العربي.

- II -
محمد القحطاني ينتمي إلى هذه الفئة. فهو، وبحكم موقعه الأكاديمي والطبقي، يعتبر من أول المستفيدين من النظام السعودي. فهو يحمل درجة دكتوراه من جامعة إنديانا، ويشغل منصباً حكوميا كأستاذ يعلِّم الاقتصاد في مؤسسة الدراسات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية، ويحظى بعائلة سعيدة من زوجة وأربع أطفال، هذا فضلاً عن كونه في ريعان الشباب (46 سنة).
بيد أنه وضع كل هذه الحياة المريحة على الرف، وقرر أن يكرّس كل حياته للحياة الصعبة والقروسطية لمواطنيه الذين يعاني نصفهم (النساء) من عبودية مطلقة حقيقية، فيما النصف الأخر محروم من أبسط حقوقه السياسية باسم الدين الذي تحتكر النخبة الحاكمة تفسيره وفق مصالحها؛ تلك النخبة التي لاتطل على السعوديين كمواطنين لهم حقوق المواطنة بل كرعايا يمكن شراء "الولاء" منهم بهبات الأكل والشرب و"الصدقات" الموسمية.  
القحطاني ظهر أمس على فضائية البي. بي. سي وأدهش الكل، بما في ذلك محاوريه من أنصار النظام، برباطة جأشه، وتماسك منطقه، وهدوء القوة الذي يتمتع به. وكل هذا لم يكن ليتوافر له لو أنه لا يؤمن بالمطلق ليس فقط بعدالة القضية التي قرر تضحية نفسه من أجلها، بل أيضاً بحتمية الانتصار في هذه المعركة. وهذه السمة الأخيرة هي القوة  الخفية الحقيقية التي جعلت المُصلحين ينتصرون في التاريخ، لأنهم رأوا النور في نهاية النفق وجعلوا شعوبهم يرونه أيضا.
قبل هذا الظهور التلفزيوني، كان القحطاني يقتحم أرض محرّمة على كل السعوديين، حين وصف علناً ولي العهد السابق الأمير نايف بأنه "مجرم" وطالب بعزله ومحاكمته بسبب مسؤوليته عن إساءة معاملة عشرات آلاف السجناء السياسيين. كما أنه عمم هو وزملاؤه قضية أمير سعودي إصلاحي خطفته المخابرات السعودية بعد تخديره في جنيف ونقلته إلى السعودية حيث وُضع في الإقامة الجبرية.
رسالة هذا الرجل إلى لنظام السعودي واضحة: مالم تتحقق إصلاحات جذرية في المملكة، فسيتم استبدال هذا النظام. صحيح أنه لايدعو إلى إسقاطه، لكنه يعتقد جازماً أن النظام سيُسقط نفسه بنفسه إذا ما واصل رفض الإصلاح والتحديث.
قال في مقابلة أخيرة له: "هل سنلوذ بالصمت؟ هذا النظام يستعبد شعبي. وإذا ماواصلنا سد أفواهنا فلن يتغيّر شيء. ثمة عشرات آلاف المعتقلين، ويجب أن نفعل شيئا من أجلهم" . وأضاف :الأمراء الحاكمون يغتنون باستمرار بالفساد وصفقات الأراضي، وهم يسيطرون على المحاكم والإعلام. وهذا يجب أن ينتهي.
- III -
القحطاني يُواجه الآن سلسلة طويلة من التهم التي تتراوح بين إثارة الفتن، رفض الولاء لـ"أولي الأمر"، وشتم المسؤولين، والتشكيك بإيمان العلماء والقضاة واتهامهم بوضع أنفسهم في خدمة السلطة، ووصف النظام السعودي بأنه دولة بوليسية تخرق باستمرار حقوق الإنسان، وتحريض المنظمات الدولية على النظام.
المثير هنا أن الرجل لم ينف أياً من التهم. وهذا ما جعل السلطات السعودية محرجة إلى آخر درجات الإحراج: فهي باتت مُدانة بدل أن تكون هي التي تُدين.
هل يمكن لمسيرة القحطاني الصعبة والمريرة أن تُكلل بالنجاح، فيما تصحير المجتمع المدني لايزال هو القانون الوحيد في البلاد؟
يمكن القول أن القحطاني سينجح حتى لو فشل. فرسالته الواضحة والقوية والتاريخية انطلقت وانقضى الأمر. وهي أضاءت للمواطنين ممرات النفق المظلم.
.. ثم لايجب ألا ننسى هنا أن البطل ليس له وجه واحد، بل ألف وجه.

                                                                                سعد  

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف10/9/12 12:34

    Those type of Hero's need all the support they can get as the Arab Nations are totally beyond unacceptable level of the Conscious Freedom Awareness



    ردحذف
  2. هو فعلا بطل لك ماتعنيه الكلمة من معنى فلا أحد يقوم بذلك ويضحي بكل مكتسباته المادية من أجل حقوق الإنسان

    ردحذف