للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

قمة بوتين- أوباما: "رحيل مشرِّف" للأسد؟





هل كان أول بيان مشترك بين الرئيسين بوتين وأوباما حول سوريا، مفاجئا؟
أجل. ولكن فقط لأولئك المحلليين من أنصار النظام السوري الراهن، الذين رسموا صورة زاهية خيالية ومبكرة للغاية لنظام عالمي جديد وُلد وانقضى الأمر. نظام تقف فيه الصين وروسيا وبقية دول البريكس ( الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) إلى جانب سورية وإيران، في حرب باردة جديدة مع الغرب.




لكن أي قراءة مُدققة للبيان المشترك في القمة الروسية- الأميركية التي عقدت على هامش قمة العشرين، والتي احتلت فيها المسألة السورية ثلث وقت المحادثات بين الرئيسين، تشي بأن موسكو وبكين أبعد ماتكونا عن "الحرب الباردة" واقرب ماتكونا إلى البحث عن "التعاون الحار" لتحقيق مصالح مشتركة.
 إنه نظام عالمي جديد حقا، لكنه نظام متعولم بين قوى عظمى متعولمة، قد تتنافس في ما بينها على قطعة حلوى الأسواق والموارد، لكنها لاتبدو مستعدة لقلب الطاولة على رؤوس الجميع كما كانت تفعل امبرياليات القرن العشرين. فكما يقول المفكر نيغرو عن حق (في كتابه "الأمبراطورية")، عصر الأمبرياليات المتصارعة ولى ليحل مكانه عصر امبراطورية العولمة، الذي تتقاسم فيه الذئاب الدولية الكبرى الشاة حتى وهي تتصارع في ما بينها.
نعود إلى البيان المشترك.
هذا البيان لم يكن في الواقع حول سوريا وحسب بل أيضاً (وربما قبل ذلك) حول الولايات المتحدة.
عما نتحدث هنا؟
عن معركة انتخابات الرئاسة الأميركية. إذ أن موافقة بوتين على دعم جهود أوباما لمنع تحوّل الأزمة السورية إلى مادة ساخنة في هذه الانتخابات، كما يريد بقوة المنافس الرئاسي الجمهوري مبت رومي، يعني أن روسيا رمت بثقلها كاملاً إلى جانب أوباما. وهذا أمر متوقع، على أي حال، من جهة لأن ميت رومي صرح علناً بأنه يعتبر روسيا "العدو الجغرا- سياسي" الأول للولايات المتحدة"، ومن جهة أخرى لأن موسكو كانت ولاتزال تخشى تطرف الجمهوريين الأميركيين في مجالي الأمن والسياسة الخارجية (حرب النجوم وسباق التسلح الريغانيين أديا إلى إفلاس الاتحاد السوفييتي وساهما في إسقاطه).
هذا الاقتراع البوتيني لصالح أوباما، قابله على مايبدو دعم أميركي، رسمي وعلني هذه المرة، للنفوذ الروسي في سورية. فالبيان المشترك كرر حرفياً تقريباً موقف موسكو الداعي إلى وقف العنف، والانتقال السلمي إلى الديمقراطية بـ"قيادة السوريين أنفسهم" والعمل مع الأطراف الدولية الأخرى لتسوية الأزمة.
وبهذا، تكون موسكو قد نالت من واشنطن الضوء الأخضر الكامل لترتيب المرحلة الانتقالية في سورية، بما في ذلك احتمال عقد مؤتمر دولي برعاية روسية وربما حتى إرسال قوات دولية إلى بلاد الشام بمشاركة وإشراف عسكريين روسيين أيضا.
إين بشار الأسد في هذا التطور الانقلابي؟
من حق الرئيس السوري أن يقلق. إذ حتى لو حصلت موسكو على كل ماتريد كاملاً من واشنطن، إلا أنها لاتستطيع أن تدير ظهرها للمصالح والهيبة الأميركيتين في الشرق الأوسط، في إطار مايمكن أن يكون كوندومينيوم (حكم مشترك) روسي- أميركي لسورية. وهذا يعني ضرورة وضع حد لولاية الأسد وربما أيضاً عائلة الأسد المباشرة في السلطة.
لكن، كيف يمكن التوفيق بين رغبة روسيا بعدم إضعاف النظام السوري عبر إذلاله من خلال إخراج الأسد بالقوة من السلطة، وبين شرط واشنطن بأن تتم مقايضة بقاء النظام برحيل رئيسه؟
ثمة حاجة إلى حل وسط. والأرجح أن هذ سيأتي في صيغة "الخروج المشرّف" للأسد من القصر الرئاسي خلال بدء المرحلة السياسية الانتقالية، أي لامع بدايتها كما كان يريد الأميركيون، ولامع نهايتها كما كان يرغب الروس.
لكن، ماذا لو اعترض الرئيس الأسد على هذه الصيغة؟
حسناً. سيكون على موسكو حينها التفاهم مع كبار الجنرالات العلوييين (الأمنيين والعسكريين) الذين تدرّب وتخرج معظمهم من الاكاديميات العسكرية الروسية.
وماذا إذا بقي هؤلاء الجنرالات في خندق واحد مع الأسد وعائلته؟
آنذاك، ستكون الحرب الأهلية الشاملة حتمية. وحينها قد يفتقد النظام السوري ككل الحليف الروسي  الذي لن يكون من مصلحته الغرق في الوحول نفسها التي كانت، جزئياً، مسؤولة عن إفقاده امبراطوريته في أفغانستان.
* * *
بيان مشترك روسي- أميركي حول سورية؟
هذا البيان لم يكن غير مفاجيء وحسب، بل هو سيكون خطوة أولى لها ما بعدها حتما. فالنظام العالمي الحقيقي ليس البتة ماتخيّله، لايزال، أنصار النظام السوري الحالي.

            ___________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق