للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأحد، 10 يونيو 2012

هل تقلب المعارضة المسلحة السورية طبيعة الصراع؟




هل بدأت المعارضة المسلحة السورية تتحوّل من انتفاضات عنفية عشوائية  Ragtag))، إلى ظاهرة ثورية شبه منظّمة (بالمعنى العلمي) ؟
وإذا ما كان الأمر على هذا النحو، ما تأثير ذلك على موازين القوى والصراع العام الراهن في سورية؟
سنأتي إلى هذين السؤالين بعد قليل. قبل ذلك، وقفة سريعة أمام التطويرات الأخيرة التي طرأت على طبيعة المعارضة المسلحة.
أولى هذه التطويرات برزت من خلال العمليات العسكرية واسعة النطاق التي قامت بها مجموعات المعارضة المسلحة مؤخراً من شمال سورية إلى جنوبها ووسطها، مروراً قبل أيام في دمشق، والتي تشي بأن الأسلحة وصلت أخيراً إلى أيدي المعارضين كماً ويبدو نوعاً أيضا( الاسلحة المضادة للدبابات؛ أجهزة الاتصالات المتطورة الأميركية في الغالب، وحتى بعض الاسلحة المضادة للطائرات).
ثانيها، السيطرة الفعلية لقوات المعارضة على مساحات شاسعة من البلاد، ليس بسبب تفوّق هذه القوات على الجيش النظامي، بل لأن عديد العناصر المقاتلة في هذا الأخير المضمونة الولاء للنظام، غير كافية للحفاظ على السيطرة على المناطق التي تخضعها بالقوة.
كتب عمر العزم، استاذ التاريخ في جامعة أوهايو،: "تمتلك الحكومة السورية القدرة على استخدام القوة الكاسحة ضد معاقل المتمردين (كما حدث في بابا عمرو)، لكنها غير قادرة على العمل في كل مكان في الوقت نفسه. يستطيعون التحرُّك وقمع منطقة بالدبابات، لكن حالما يغادرون تخرج هذه المنطقة عن سيطرتهم".
وهذا أمر طبيعي في الواقع. إذ يُقدّر أن هناك ما بين 30 ألفاً إلى 50 ألفاَ من الجنود والضباط المحترفين المضموني الولاء (لأسباب طائفية في الغالب) للنظام، يقومون منذ سنة وخمسة أشهر بعمليات عسكرية تغطي عملياً أكثر من 180 ألف كيلومتر مربع، فيما العديد من وحدات الجيش الأخرى قابعة في ثكناتها خوفاً من أن تقوم بالانشقاق عنه. وهذا أدى، من جهة، إلى انهاك هذا القسم من الجيش المقاتل، وسهّل، من جهة ثانية، سيطرة المعارضين على مناطق واسعة وإن فقط من باب ملء الفراغ.
التطور الثالث تمثّل في تخلي المعارضين المسلحين عن استراتيجية الاحتفاظ بالأرض (كما فعلوا في حمص) وفي تبنيهم تكتيك حرب العصابات. وهذه كانت خطوة نوعية قد تكون لها مضاعفات خطيرة على مدى تماسك النظام، أو على الأقل على مدى قدرته على الصمود في مواجهة حرب أستنزاف مُنهكة في خضم معطيات ديمغرافية لاتصبّ في صالحه.
كي نتمثُّل وجه الخطورة في هذه المضاعفات، لنستمع إلى مايقوله جوزف هاليداي، الباحث في مؤسسة دراسات الحرب الأميركية، :" الجيش النظامي السوري يواجه الآن معضلة تشبه إلى حد بعيد معضلة الجيش الأميركي في العراق: فهو يملك قوة نارية متفوقة للغاية، لكنه مشلول ويفتقد إلى حرية الحركة بفعل حرب العصابات المتنقلة".
لكن، من هي هذه المعارضة المسلحة؟
الوجه البارز فيها هو بالطبع "الجيش السوري الحر"، الذي يتفق الجميع الأن على أنه صيغة تنظيمية فضفاضة للغاية تضم كلاً من العسكريين المنشقين عن الجيش والمدنيين المسلحين. عديد هذا التنظيم غير معروف وإن كانت المعلومات تشير إلى زيادات مطردة فيه، خاصة بعد ان بدأ يدفع رواتب للجنود والمقاتلين في بعض المناطق تتراوح بين 50 إلى 100 دولار شهريا.
لكن، إلى جانب هذا الجيش، هناك نحو 200 إلى 300 فصيل مسلّح يعمل كل منه بمفرده في مناطقه المحلية. ولم تبدأ الجهود سوى مؤخراً لإقامة مجالس عسكرية إقليمية تتواصل في ما بينها بشكل هرمي. ويبدو أن مثل هذه الجهود بدأت تثمر، على رغم أن ثمة حاجة إلى عمل كثيف أكثر في هذا الاتجاه.
نعود الآن إلى سؤالينا الأولين لنقول أن المعارضة المسلحة بدأت تتحوّل بالفعل إلى ظاهرة ثابتة في الصراع الراهن في سورية. فهي تجاوزت عنق زجاجة ردات الفعل التي كانت عليها في الشهور الماضية، وانتقلت إلى الفعل شبه المنظّم، في شكل عمليات عسكرية (أضرب وأهرب أساسا) غاية في النوعية، كان آخرها أمس الأول المعارك التي دارت في قلب دمشق والتي دامت نيفاً و12 ساعة متصلة.
قد يقال هنا أن التعدد الكبير في صفوف المعارضة وعدم قدرتها على الاحتفاظ بسيطرة ذات ديمومة على الأرض، قد لايكون في مصلحتها على المديين المتوسط والبعيد. وهذا صحيح. لكن هذا التعدد أيضاً ليس في صالح النظام، الذي لم يستطع طيلة الفترة الماضية القضاء على الانتفاضات عبر خنق رأسها (كما فعل في حماه العام 1982). فالمعارضة لا رأس واحداً لها. وهذا ما يجعل الآن شعار "الجراحة العسكرية" التي يطرحها الرئيس بشار الأسد صعباً إن لم يكن مستحيلاً. فالجراحة يمكن أن تجري على جسم واحد، لا على مئات الأجسام التنظيمية  التي تستقطب مئات ألوف الناس.
ثم أن نجم المعارضة المسلحة في حالة صعود هذه الأيام. لا بل يتوقع، في حال استمرار تدفق المنشقين والسلاح والمال عليها كما هو منتظر، أن تتضخم هذه المعارضة لتصبح جيشاً جرارا قد لايمتلك القوة النارية للجيش النظامي وقد لايكون قادراً على الزحف على دمشق لاسقاط النظام (كما فعل الثوار الليبيون)، لكن في مستطاعه تغيير قواعد اللعبة في البلاد.
وهذه النقطة الأخيرة تقودنا إلى سؤالنا الثاني: ما تأثير صعود المعارضة المسلحة على موازين القوى السياسية- الاجتماعية في سورية؟
جيفري وايت، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية، يرد على هذا السؤال بالقول أن "الثوار لن يستطيعوا إخراج النظام من دمشق. لكن الضربات المتواصلة التي تتخذ شكل حرب العصابات على مواقع الجيش وقوافله، تزيد من حدة الاستنزاف لهذا الأخير وتفاقم عمليات الانشقاق عنه".
حسناً. ربما كان هذا صحيحاً على الصعيد العسكري. لكن على المستوى السياسي- الاجتماعي، قد تكون ثمة أبعاد أخرى. إذ لايجب أن ننسى هنا أن وجود بعض الضباط والجنود من الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية في صفوف المعارضين المسلحين، لاينفي الحقيقة بأن الغالبية الكاسحة لهؤلاء الأخيرين هم من السنّة. وهذا يعني أنه مع التضخم المتوقع لقوى المعارضة المسلحة والانشقاقات المتوقعة أيضاً عن الجيش النظامي، سيكون لدينا في الواقع بعد فترة قصيرة "جيشان" سوريان متواجهان، تدعمهما قوى دولية وإقليمية متواجهة ومتصارعة.
ولأن كلاً من النظام الحالي والمعارضة السياسية السوريين يرفضان أي حل وسط بينهما (الأول يتبنى الشعار الماروني اللبناني الشهير "ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم"، والثانية تتطلع إلى قلب النظام بالكامل)، لايبقى سوى الرهان على خروج قيادات من هذين "الجيشين" تعترف باستحالة تحقيق نصر كامل على الطرف الأخر، وتتحرك لانتاج توازن سياسي وطني جديد بين كل مقومات النسيج السوري، استناداً إلى وفاق دولي ربما تكون ولادته قريبة بين أميركا وروسيا.
داخل الطائفة العلوية، يبدو أن هذا التحرك بدأ بالفعل (*). يبقى أن يحد أمر مماثل في الطائفة السنّية. وإذا ما حدث ذلك، قد يكون العنف السوري المُعارض الراهن من قبيل "الضارة النافعة".
______________

تحليلات أخرى عن المعارضة المسلحة السورية في:
1- واشنطن بوست:
Syria rebels gaining ground, strength
2- نيويورك تايمز:

More Unrest Around Syria, in Hot Spots Old and New

3- مؤسسة دراسات الحرب الأميركية:
(*)- راجع "نيويورك تايمز:

Assad’s Response to Syria Unrest Leaves His Own Sect Divided

http://www.nytimes.com/2012/06/10/world/middleeast/syrian-alawites-divided-by-assads-response-to-unrest.html?hp




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق