للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

الأسد ربح معركة، لكنه سيخسر الحرب؟

".. وهل أنا موظف لدى الجماهير؟".
هذا كان رد الرئيس السوري بشار الأسد، حين طلب منه وفد ناصري مصري قبل نحو السنتين إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين السوريين، قائلاً له أن مثل هذه الخطوة "سترضي الجماهير وتعزز شرعية النظام".
هذا المنطق، الذي يعتبر الجماهير مُوظّفة عند الرئيس لا العكس، كان موضع التطبيق الحرفي طيلة الأشهر الستة الماضية، حين قامت القوات الأمنية والعسكرية السورية بحملة قمع شاملة للمظاهرات الشعبية التي كانت في معظمها سلمية، أسفرت (وفق تقارير الأمم المتحدة) عن مصرع 2700 مواطن، واعتقال عشرات الآلاف في سجون بُنيت على عجل، وممارسة عمليات تعذيب وترويع واسعة النطاق.
النظام، بقيامه بذلك، لم يكن في الواقع يقوم بأمر استثنائي. إذ هذا بالتحديد ماتفعله الانظمة السلطوية حين تعجز عن تطوير نفسها إلى دول ديمقراطية (بقرار من نخبها الحاكمة، كما جرى مثلاً في إسبانيا واليونان والبرازيل وإندونيسيا) ، أو حتى إلى أنظمة شبه سلطوية (نماذج الأردن والمغرب ومصر- مبارك). كما أن هذا القمع  هو ماكان النظام السوري يفعله طيلة العقود الثلاثة الماضية حين صادر كل حريات المجتمع المدني ، وصحّر الحياة السياسية، وجمّد تطور البلاد، عبر عنف الأجهزة الأمنية.
والآن، وبعد مرور ستة أشهر على حملات القمع الشاملة هذه، وبعد أن انخفضت نسبة المشاركة في المظاهرات من مليون ونصف المليون متظاهر إلى أقل من 200 ألف أسبوعياً، بات النظام على قناعة بأنه نجح في احتواء الانتفاضة. وهذا مادفع الرئيس الأسد الأسبوع الماضي إلى إشراع أبواب قصره أمام الشخصيات اللبنانية الموالية له لطمأنتها بأن "القصة" (أي الانتفاضة) انتهت".
لكن، هل هذا التقدير صحيح؟

المعركة والحرب
انخفاض منسوب المظاهرات (حتى الآن على الأقل) حقيقي. لكن هذا لايعني البتة أن الثورة الشعبية قد انتهت. فالأسد ربما ربح جولة مؤقتة، لكن يبدو أنه سيخسر الحرب.
كيف؟ لماذا؟

الأسباب عديدة.
في طليعتها أن النظام قام خلال الشهور الستة الأخيرة بخطوة خطيرة تمثَّلت في تحطيم زجاج شرعيته السياسية. إذ هو لم يخض حربه الأمنية – العسكرية بشعارات قومية عربية وتقدمية، كما فعل العام 1982 حين قاتل جماعة الإخوان المسلمين، ولا حتى بشعارات وطنية سورية على رغم إصراره بأنه يمثّل السيادة السورية الخارجية، بل بيافطة قمع أمني بحتة. وهذا كان تطوراً خطيراً لأنه أشرع الأبواب على مصراعيها أمام تحوّل الصراع السياسي- الطبقي إلى صدام طائفي أو مذهبي مباشر.
صحيح أن النظام لايزال يمسك بورقة ثمينة، هي عدم انضمام دمشق وحلب على نطاق واسع إلى الانتفاضة، ما سيمكّنه من القول بأن تحالف السلطة السياسية العلوية والمال السنّي المديني لايزال قائماً، لكن الصحيح أيضاً أن أسس هذا التحالف تعرّضت إلى هزة عنيفة لأن القمع العنيف أدى إلى شل الاقتصاد وكشف رجال الأعمال أمام العقوبات الاقتصادية الغربية القاسية. وهذا تطور سيكون له مابعده حتماً، لأن تجار المدن ورجال أعمالها وطبقتها الوسطى أبرمت مع النظام قبل 30 سنة ميثاقاً ضمنياً يبدأ وينتهي بكلمة واحدة: الاستقرار. وفي حال فشل النظام في ضمان هذا  الاستقرار، فستتداعى كل أسس الميثاق.
ثمة أيضاً أسباب أخرى تؤكد أن الأسد تسرّع في إعلان "النصر النهائي" داخلياً وخارجيا:
ففي الداخل، الثورة أو الانتفاضة لم تنته، كما يعتقد النظام وكما أعلن مراراً في السابق. صحيح أنها ضعفت بفعل اعتقال عشرات الآلاف من الناشطين فيها، لكنها يمكن أن تجدد شبابها في أي لحظة وتفاجيء الجميع مجدداً بمدى قوتها وزخمها. هذا ناهيك عن وجود مؤشرات قوية على احتمال أن تتحوّل إلى ثورة مسلحة تخوض حرب عصابات في المدن كما في الأرياف. هنا، في هذه النقطة، ثمة حديث كثيف عن أن النظام يتمنى حدوث هذا التطور، على الأقل في شكل "حرب أهلية صغيرة" كما حذَّرت "فاينانشال تايمز" قبل أيام، لأنه سيمكِّنه من تعزيز مقولته بأنه يخوض حرباً ليس ضد شعبه بل ضد متطرفين أصوليين أو سلفيين.
بيد أن هذا سيكون مجدداً رهاناً خاطئا. لماذا؟ لأنه ينطلق من  حسابات موازين القوى المحلية (وفق معطيات معركة 1982 مع الإخوان) ويغفل التغيرات الهائلة التي حدثت في الوضع الدولي والتي قد تقلب هذه الموازين رأساً على عقب.
إذ في حال تصاعدت الثورة المسلحة، فإنها قد لاتكون مجرد "حرب أهلية صغيرة"، بل هي ربما تحوّل سوريا إلى ساحة قتال مروِّعة بين مروحة واسعة بين القوى الإقليمية والدولية التي سيلقي معظمها بثقلها كاملاً (تسليحاً وتمويلاً وتدريباً) إلى جانب المنتفضين، وصولاً في مرحلة ما حتى إلى التدخل العسكري المباشر.
رب قائل هنا أن الفيتو الروسي- الصيني المشترك في مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي ضد قرار يدين الحكومة السورية، سيشكّل درعاً يقي هذه الأخيرة من احتمال تدويل الأزمة. وهذا صحيح ولكن لفترة مؤقتة فقط. فالصين وروسيا ليستا على وشك إعلان الحرب الباردة على الغرب لا الآن ولا بعد عقدين أو ثلاثة. وهما إذا ما اقتنعتا بأن هذا الأخير جاد في توجهه لاسقاط النظام السوري، فإنها سرعان ما سيغلِّبان مصالحهما الاقتصادية الضخمة معه على رغباتهما السياسية. أو أنهما ستستخدمان هذه الورقة لابتزاز تنازلات اقتصادية جديدة من الغرب.
وهذا، على أي حال، ما فعلاه معاً في ليبيا. ففي بداية ثورة 17 فبراير، عارضت موسكو وبكين بقوة أي تدخل عسكري. لكن، حين لمستا أن الغرب مُصِّر على موقفه حول اسقاط حكم العقيد القذافي، بدءا تستديران بالتدريج نحو هذا الموقف، إلى أن اعترفتا في نهاية المطاف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي.

تغيُّر المزاج
لكن، هل الأوروبيون والأميركيون جادون حقاً في السعي لاسقاط النظام، أم أنهم قد يقبلون بإبرام صفقات تسووية معه؟
هذا الخيار الأخير كان وارداً بالفعل قبل شهر من الآن، حين كانت واشنطن مستعدة بالفعل لقبول إصلاحات سياسية تجميلية يقوم بها النظام مقابل إعادة نظر جذرية في علاقاته مع إيران وحزب الله اللبناني.
لكن، يبدو أن عمر هذا الرهان كان من عمر الزهور. فالنظام السوري عزّز تحالفه مع إيران بدل تقليصه، معتبراً إياه ضمانته الرئيس من أجل البقاء. وهذا مادفع الغرب إلى الدعوة في خاتمة المطاف إلى إسقاط الرئيس الأسد ونظامه. وهذا أيضاً ربما يفسّر الجهود الحثيثة التي بذلها الأوروبيون والأميركيون لاقناع المعارضين السوريين بتوحيد صفوفهم، وهو مافعلوه (وإن جزئياً) في اسطنبول حين أعلنوا عن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، تمهيداً ربما لطرحه كبديل للنظام السوري الراهن في المحافل الدولية والاقليمية.
هل يدرك النظام السوري هذه المخاطر؟
لايبدو، لأن رهاناته تكمن في مكان آخر. وهي الآن كالتالي:
أولا، الاثبات للأميركيين والأوروبيين أنه قادر على إعادة الاستقرار إلى البلاد بالقوة، ثم القيام بخطوات إصلاحية محدودة للإيحاء بأنه قابل للتغيير والتطور.
ثانياً، بدء مفاوضات سرية مع الأميركيين تتضمن تقديم تنازلات لهم في العراق وفلسطين (وربما لاحقاً في لبنان)، في مقابل وقف حملاتهم لاسقاط النظام.
ثالثاً، إعلان الاستعداد لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل.
بيد أن الأرجح أن الغرب بشطريه الأميركي والأوروبي لن يأكل هذا الطعم، وهذا لسبب استراتيجي مشترك بينهما: ثمة قرار عالي المستوى يرقى إلى مستوى التحوّل التاريخي، يقضي بتغيير كل أنظمة الشرق الأوسط ومنح القوى السياسية الإسلامية فرصة المشاركة في الحكم وإثبات أوراق أعتمادها الديمقراطية، كوسيلة وحيدة للقضاء على التيار الجهادي الإسلامي المتطرف وتحقيق الاستقرار عبر الاعتماد على المجتمعات المدنية لا الأنظمة.
وكما أن الغرب تدخّل بالقوة العسكرية لمنع القذافي من وقف زحف الربيع العربي، سيكون هذا الغرب جاهزاً الآن للقيام بالأمر نفسه لإزالة أي عقبات تعترض هذا الزحف في أي دولة عربية أخرى.

أدوات التحليل
ماذا يعني كل ذلك؟
أنه يعني، ببساطة، أن الأمور أعقد بكثير مما يعتقد النظام السوري، الذي يبدو أنه لايزال يقارب الوضع بأدوات تحليل قديمة لاعلاقة لها البتة بالزلازل المحلية والإقليمية والدولية التي أفرزها، ولايزال، الربيع العربي.
وما لم يستدرك النظام هذه هذه الفجوة الخطيرة، ربما عبر انقلاب من داخله، فقد يأتي التغيير من خارج يجد في الحرب الأهلية جسره الرئيس للعبور إلى هذا الهدف.
أما استئناف الأعمال كالمعتاد كما كانت قبل الانتفاضة السورية في 15 آذار/مارس، فهذا أمر بات مستحيلا. إذ حين يتحطّم الزجاج، لاسبيل إلى إعادة لحمه.

سعد محيو- بيروت







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق